من السفه أن يظن البعض أن المسلم إذا لم ينتسب إلى جماعة من الجماعات التي ظهرت في عصرنا ونعتت نفسها بالإسلامية فهو ضد الإسلام!!
السفاهة في لهجتنا المحلية تعني بذاءة اللسان, والتي يشتهر بها البعض في البيئات المتدنية خلقًا, ولكن السفاهة في اللغة تعني أشياء كثيرة أهمها كما جاء في لسان العرب:سَفِهَ, السَّفَهُ, والسفاهُ والسفاهة خفة الحلم, وقيل نقيض الحلم,, وأصله الخفة والحركة, وقيل الجهل, وهو قريب بعضه من بعض, وقد سفه حلمه ورأيه ونفسه سفهًا وسفاهًا وسفاهة حمله على السفه, والفقهاء يرون أن السَفهَ ألا يحسن الإنسان التصرف في المال خاصة ويقولون, قد يبلغ الرجل التسعين ولا يزال سفيهًا, والسفه عندهم من موجبات الحجر على الإنسان فيمنع من التصرف في ماله, ويكون له وليُ يتصرف عنه في ماله لمصلحته, وفي القرآن آيات عديدة عن السفه فيها معانٍ له متعددة, فمن ذلك قول الله عز وجل:(ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلاّ من سفه نفسه) فمن يجهل الحق ولا يهتدي إليه هو سفيه ولا شك, ومنه قوله عز وجل:(قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين) وقوله أيضًا في سورة الجن(وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول الأنس والجنُ على الله كذبًا) وكأن الكذب سفه, وفي آية الدين قوله (فإن كان الذي عليه الحق سفيهًا أو ضعيفًا أو لا يستطيع أن يملَّ فليملل وليه بالعدل) وكأن من لا يحسن الإملاء لتدني ذكائه فهو سفيه, فالسفاهة بهذا ألوان متعددة, ليس من بينها أن يكون الإنسان بذيئًا أو فاحش الألفاظ وإن كان يدخل في هذا المعنى لقلة عقله, والله عز وجل يخبرنا أن الكفر سفه فها هو يقول:(وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) والسفهاء في زماننا على متخلف ألوانهم هم من هذا الصنف الذي يرى العقلاء الذين يتحلون بالفضائل هم السفهاء, ولا يدرك أنه بقوله وفعله أعظم الناس سفاهة, فهذا الذي اليوم يتبنى ويشيع كل مخالفة حقيقية للدين, بإنكار ما علم منه ضرورة من أركانه وفرائضه, أحكامه ومقاصده, لظنه أن هذا تنوير هو من السفاهة بمكان متقدم, وهذا الذي يخوض في أصول الدين وفروعه دون علمٍ, بل بجهل عظيم هو قد سفه نفسه ولا شك فالتنوير الذي هو إضاءة تقود إلى الحياة الأفضل حتمًا لا يمر بمخالفة الدين, أو إعلان الإلحاد فيه, فهذا إظلام للنفس فلا ترى في هذه الدنيا ضوءًا يقودها لحياة أفضل أبدًا, وأعجب لمن لم يدرك من علوم الدين إلا القشور ينصِّب نفسه عالمًا به يدخل إليه منا ليس منه, ويخرج منه ما هو من أصوله, وهذا اللون من السفاهة اليوم يحتل بعض الرؤوس, أما أن يستمر هذا السفه فيضيع الإنسان حياته في السعي وراء أوهام ويترك الحقائق التي يهدي إليها العقل, وموجة الإلحاد التي اليوم يتسع انتشارها في ساحتنا الإسلامية خطرة جدًا على الأمة وعلى الدين والدنيا, ولا يظنن أحد أن صلاح الدنيا يمكن أن يتم بعيدًا عن الدين, فالدين فيه ما يصلح دنيا العبد وآخرته ونحن نعلم يقينًا أن الصالحين هم الذين أثروا الحياة علمًا ومعرفة وليس أولئك الذين ينحرفون عن الدين, ومن السفه أيضًا أن يظن البعض أن المسلم إذا لم ينتسب إلى جماعة من هذه الجماعات التي ظهرت في عصرنا هذا المتأخر ونعتت نفسها بالإسلامية فهو ضد الإسلام, ويبني حياته على أن جماعته هم جماعة المسلمين, كما ظن أحد منظري أحد هذه الجماعات, ورأى آخر من منظري هذه الجماعات أن جماعته هم الفرقة الناجية, وأن غيرهم من المسلمين هالكون محكوم عليهم بالخلود في النار, وهؤلاء صنعوا الكراهية بين المسلمين, وفرقوا جماعاتهم, وبوجودهم في ساحتنا الإسلامية اضطرب أمر المسلمين, وأصبح القتال فيما بينهم, ونعم أعداؤهم بالأمن والاستقرار, ويقع على كاهل العلماء أن يوضحوا للأمة حقيقة دينها, بعيدًا عن كل غلو يحرف الدين أو تشدد ما أنزل به سلطان, وأن يدعوهم للأخوة في الدين, التي تحميهم من الفرقة التي تهدم أركان حياة الأمة, فإذا كنا لا نرضى بمخالفة الدين أو تركه أو الإلحاد فيه, فإنا أيضًا يجب أن نرفض كل تطرف يقود إلى غلو في الدين نهى الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – عنه, ونوجه الأمة أن تجتنبه, فإنه أسوأ ما يصيب الإسلام وأهله, ومتى كان في الأمة عقلاء يحاربون كل ألوان السفه حتى تستقيم حياة المسلمين بعيدًا عنها, فإن الإصلاح الحقيقي لأوضاع الأمة يصبح سهلًا ميسورًا, ونقض فكر هؤلاء السفهاء من أيسر ما يقوم به العقلاء من علماء الأمة وعبادها إن كانوا فعلًا يريدون صلاح هذه الأمة وعودة الوهج الحضاري إليها, فكلا طرفي التطرف يجب أن نكشفه لأفراد الأمة حتى يكونوا على يقين بما هو سبب تخلف أمتهم واضطراب أمرها, ولعل للآباء دورًا في هذا الأمر حيث يجب خاصة على المتعلمين منهم إبعاد أبنائهم عن السفهاء من الجانبين ومنعهم ما استطاعوا من الالتحاق بالمتطرفين من الفئتين, وأن تقوم مؤسسات التعليم في جميع المراحل بجهد علمي وتربوي يحصِّن أبناءنا ضد الأفكار المتطرفة التي ينظر لها الطرفان, وهذا ما سيؤدي حتمًا لإفشال جهودهما من أجل صنع مجتمع يكره أفراده بعضهم بعضًا, ويقاتل جماعاتهم بعضها, بناء على إيديولوجيات بشرية يصنعونها, وإذا توفر هذا سعينا لوسائل الإعلام المختلفة لتكون وسائل نشر للاعتدال والوسطية, والبعد عن الطريقين الخطرين, وإذا تم لنا ذلك فسينعم مجتمعنا بالأمن والاستقرار ولا شك, فهل ندرك هذا هو ما أرجوه والله ولي التوفيق,