منذ أيام الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك هوس بالكتابة شرقًا وغربًا عنها، حتى إن كتابنا العرب لا يزالون حتى اليوم يناقشون ما أسموه سوء ما اختار الأمريكيون وصوتوا له، وكأنهم أوصياء عليهم، ولعل الوصاية أصبحت لهم حرفة، مع أن الكل يعلم أن لهذه الدولة الكبرى المتحكمة في كثير من السياسات في العالم، نظماً ثابتة مثلها في الغرب، ويمكن الاطلاع على كل هذه النظم بسهولة، فأمريكا لها دستور مكتوب وحوله من الدراسات الكثير، ولها قانون هي اليوم تحاول أن تفرضه على الآخرين، وهي دولة رأسمالية نافذة، وليبرالية قائدة، وشعبها يمارس العملية الانتخابية منذ زمن طويل، قبل أن يصبح لكثير من دولنا العربية كيان، وعندما جرت الانتخابات الرئاسية فيها بغض النظر عن إعجابك بأحد المرشحين أو موقفك المعارض من المرشح الآخر، إلا أنها جرت في جوٍّ حُر، ولم يعترض أحد على مجرياتها، ولم يدَّعِ أحد أنها زوّرت، حتى ما نقله الإعلام عن الرئيس ترامب بأنه ادعى تزويرها في مماحكة انتخابية، ولكنه قبل بنتيجتها، فهي بكل هذا انتخابات نزيهة كما يقولون، والمرشحة الصلبة والممارسة للعمل السياسي زمنًا طويلًا لم تعترض هي الأخرى عليها، وأعجب اليوم لمن يعترضون على نتيجتها داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، فيقلدون الناس في بلداننا العربية التي لا تجرى في إحداها انتخابات إلا واعترض عليها طرف بل أطراف وظهرت بينهم التهم جزافًا مادام الناجح فيها غير مرشحهم الذي ينتظرون، فلماذا يحتجون على رئاسة رجل وصل إليها عبر صندوق الاقتراع الذي يقدسون، وإن لم يعجبهم أو تمنوا أن يصل غيره ممن سيحقق لهم مكاسب لن يحققها الآخر، ولماذا هذا الصراع الجنوني في الشوارع، إنها والله عبث لا قيمة له، فلن تغير من الواقع شيئًا، فالرئيس المنتخب بدأ خطواته لتسلم المنصب في الموعد المحدد، وسواء أحب الناس أم كرهوا سيكون رئيسًا لأمريكا على الأقل لمدة رئاسية واحدة، ما دام يلتزم بالدستور والقانون ونظام حزبه، الذي سيؤيده بلاشك وإن كرهه بعض الأفراد منه، والذي يجب أن نعتني به نحن العرب والمسلمين هو مد الصلات بإدارته في مدة رئاسته، وأن نخطب ودها كما كنا نخطب ود إدارات متلاحقة قبلها لضعف ووهن أصابنا، وحتى نحاول ما استطعنا أن نجعل مواقفه في صالحنا لا ضدنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، أما الهوس في الكتابة الصحفية عنه تقليدًا للإعلام الأمريكي والغربي عمومًا، وعقد الندوات التلفزيونية، وبرامج التوك شو عن سياسة لا وجود لها حتى الآن، وتنبؤات في الغالب لا تتحقق، وهي في الحقيقة من العبث الذي لا طائل تحته، فالوعود الانتخابية والمماحكات أثناء الحملات لا تصبح واقعًا بعد أن يتولى الرئيس منصبه في الغالب، وأقوال الإعلاميين والصحفيين العرب صدعت رؤوسهم ورؤوس الناس دون جدوى، والمواطنون جلهم عنهم منشغلون بلقمة العيش يوفرونها لعائلاتهم في ظروف اقتصادية أحاطت بعدد من بلداننا العربية أهمّت الناس وشغلتهم عما عداها، خاصة إذا كان ترفًا لا قيمة له بمتابعة انتخابات رئاسة لبلاد بعيدة عنهم تنقلب إلى هوس جنوني يدل على أن الفكر السياسي في عالمنا العربي لا يزال سطحيًا، والمواطنون العرب يتطلعون إلى تقدم بلدانهم واستقرارها وتحسن أحوالها الاقتصادية، وهم محبون لها يفدونها بالروح والمال إذا أحسوا بخطر عليها، وها هم جنودهم في أكثر من موضع في بلدانهم يقعون صرعى لإرهاب أسود ويعانون من صراعات سياسية تتطور إلى حروب مدمرة، حدثوهم عن كل هذا وانشروا بينهم وعيًا بحق الأوطان وإن قل الرزق فيها والعمل بالجد والكد للنهوض بها ولتكون أوطانًا تتحسن الحياة فيها بعد أن تسلم من الأعادي، ويكون اقتصادها متينًا ورزقها وفيرًا وتتجمع كلمة أهلها على الحق به يتواصلون ويعملون لمستقبلهم آمنين، أبعد الله عنهم أعداء الداخل والخارج ونصرهم على الإرهاب عدوهم الأول هذه الأيام، آمين.