أصبح اليوم عندنا -بحمد الله- أطباء سعوديون متميّزون، وصل بعضهم إلى الأستاذية في الطب، وكثير منهم في مستشفياتنا لهم في نفوسنا احترام كبير وتقدير، وهم يستقبلون المرضى منّا بكثير من الجهد الطيّب لتشخيص أمراضهم، ثمّ وصف العلاج الناجع لأمراضهم، وطبعًا كما هو الحال في كل المجتمعات البشرية، هم يتفاوتون في قدرتهم العلمية، وما آلت إليه تجربتهم، وهذا أمر طبعي لا يزعجنا أبدًا، ونحن نتمنّى من قلوب مفعمة بالمحبة لهم أن تراعي الدولة لهم حقوقهم، فتمنحهم من المرتبات ما يستحقّون، وحقّهم في السكن الملائم لأمثالهم، وأن يُعطوا الدرجات الوظيفية الملائمة لما يقومون به من أعمال، فهم متميّزون بالعمل الذي يقومون به ولا شك، ولكن هذا كله يلقي على عواتقهم حقوقًا للوطن والمواطن، وإن لم يقوموا بها، فتقصيرهم في أدائها ليس كتقصير سائر موظفي الدولة، فأولئك إن قصروا في أداء وظائفهم، فتقصيرهم قد لا يتسبب في وفاة أحد، أو إصابته بعاهة، أمّا أخي الطبيب فتقصيره في عمله، أو ارتكابه أخطاء فيه، قد تؤدّي بالمريض إلى عاهة مستديمة، تلحق به؛ لأنّ الطبيب الذي راجعه لم يفطن إلى حدوث جلطة دماغية، قد تؤدّي بالمريض إلى شلل جزئي مثلاً، وهو إن لم يكتشف الحالة التي اعترضت حياة المريض، والتي قد تؤدّي إلى وفاته أحيانًا، فإهماله -حينئذٍ- باهظ الثمن، وإني لأراجع أطباء من أبنائنا السعوديين، أثقُ بهم، وهم يقومون بواجبهم نحوي بلا إهمال، ولكنّي أريد أن أهمس لهم بأنّ الطبيب ليس كباقي الموظفين، فهو إن غاب عن عمله دون أن يحلّ محلّه مَن يقوم بعمله، فالخسارة في حياة المرضى عظيمة، وهو إن حضر إلى عمله، ولم يستقر في مكانه، فتأخّر عرض المرضى عليه ساعة، أو ساعتين، أو ثلاثًا ممّن يعانون آلامًا مبرحة أمر ليس ممّا يمكن تلافي آثاره، فكم من مريض يعاني آلامًا مبرحة لا تكفُّ عنه إلاَّ بتناوله المسكّن في موعده، وهو إن صبر على الألم فلا يدري عمّا يحدثه هذا الألم في جسده، ولابدّ أن يعرف الطبيب أحواله، والغريب أن بعض الأطباء لا يقرأ ملف المريض، ويدرك حالته، ولكنّه يعامله معاملة باقي مرضاه من الذين لا يعانون نفس الآلام، ومن بين أطبائي ممّن أراجعهم أطباء رفيعو الأخلاق، يراعون حالتي المرضية، ويراعون ظرفي المرضي، وأشكر لهم حسن تعاملهم الراقي، وبالأمس القريب رأيت أحدهم، وتمنيتُ لو أنّي أستطيع المشي للحاق به لأؤدّي واجبي نحوه، إلاَّ أنه أحسَّ بذلك فرجع ليسلِّم عليَّ، فرأيتُ عودته إليَّ عملاً إنسانيًّا راقيًا، ولكن الطبيب الذي كنتُ أراجعه لا أظنُّه، رغم أني أقدّر علمه، وتجربته، واهتمامه بي، حينما عرضتُ عليه أثناء إقامتي بالمستشفى، لكنِّي أظنُّه لم يقرأ ملفّي بعناية، وإلاَّ لعلم أنّي لا أستطيع الانتظار مدّة طويلة لما أعانيه من آلام عظيمة، ولعلّ الأطباء يعتنون بأمثالنا الذين يعانون آلامًا مستمرة، فلا يجعلوهم ينتظرون مدة طويلة وهم يتألمون، وإني لأرى أني محظوظ لأنَّ لي بنتًا طبيبةً استشارية في الطوارئ، تعتني بي، ولكنّي لا أريدها أن تتدخّل في أن أحابى عند مراجعتي للأطباء، وأرجو أن تكون حالتي المرضية هي ما تفرض لون معاملتي وطريقتها، وهي تتمثل لهذا، فأرى أبنائي الأطباء بمنظوري كمريض، أسأل الله عزّ وجلّ لكلّ طبيب أن يوفقه الله في عمله، فكم هو أجره الجزيل من ربه، إذا أخلص في عمله، وراعى حالة مرضاه، وتسبب في شفاهم من أمراضهم، أو قلل -على الأقل- آلامهم، فرفعوا أيديهم في خلواتهم يدعون الله له، فذاك خير من الدنيا وما فيها، لو كان يعلم، ولن أذكر الجانب الآخر، وما يترتب عليه إن أحسوا إهماله لهم، أو تسببه في كثير من آلامهم، فهو أمر عظيم الوزر، لا أظنُّ طبيبًا يسعى إليه، إلاّ إن جهل دينه ودنياه، سألت الله عز وجل لكل طبيب ساعد في شفائي، أو أزال شيئًا من آلامي أن يجزيه عنا أمثل الجزاء وأكرمه، وأن يسبغ عليه نعمة الصحة والعافية، وأن يسعده في حياته في الدارين، إنه السميع العليم.