إن أوثق عرى الإيمان حب الله عز وجل، ثم حب رسوله -صلى الله عليه وسلم- فالله عز وجل يقول: (قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، ويقول: (إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ)، وهذا الحب يتدرج، فمن أحب الله لاشك يحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو المُبلِّغ عن ربه، وإذا أحبهما أحب ما جاء عنهما في كتاب الله وسنة رسوله الله -عليه الصلاة والسلام- فأحب الدّين فالتزم أحكامه، فأطاع الله ففعل ما أمر الله به، وانتهى عمّا نهاه عنه، فإذا علم الدّين حقيقةً، علم أن محبة الخلق واجب عليه، فسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من أحب أن يجد طعم الإيمان فليحب المرء، لا يحبه إلاّ لله)، ويقول: (مَن سرّه أن يجد حلاوة الإيمان فليحب المرء، لا يحبّه إلاّ لله)، والله عز وجل كما يريد أن تكون بيننا المحبّة والمودة فهو يدعونا أيضًا فيقول: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا)، فبالمحبة والمودة ينشأ المجتمع المعتصم بحبل الله، تتّحد آماله ويعين أفراده بعضهم بعضًا، وبهذا ينعم الله على هذا المجتمع المؤمن الذي صفاته الكثيرة التي وردت في كتاب الله، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- التي تقوده إلى تكوين مجتمع إنساني صالح متحاب في الله، قوي الترابط ببعضه، فهم الأتقياء المحسنون، المتواضعون لبعضهم، المحبون للكلمة الطيبة فهو يقول عنهم: (لا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إلاَّ مَن ظُلِمَ)، يغيب عن مجتمعهم التراشق بالألفاظ والغيبة والنميمة، هم الذين يتحابون بجلال الله، ويعتصمون بحبله، يعيدون سيرة مجتمع كأن في دنيا الناس المجتمع الأمثل في عهد سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كان سلوكهم فيه يجذب الناس إلى دينهم، ولننظر لمجتمعاتنا اليوم، وما نالها من الضعف الشديد، بسبب بُعدهم عن ما حثّهم الله عليه في ذلك، فتولّدت بينهم العداوات والبغضاء، وأصبح بعضهم عدوًّا للبعض الآخر منهم، ولن يصلح ما لهم إلاّ بما صلح به أولاً، فهل يعودون إلى ما كانوا عليه فيفلحون؟! هو ما نرجو، والله ولي التوفيق.