نخطئ حينما نقصر أهم فرائض الاسلام التي عناها الله تعالى بقوله : (كنتم خير أمة خرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن من أهل الكتاب لكان خيراً لهم وأكثرهم الفاسقون) فحينما يقصر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تضيق الحسبة، فتعود صورها محدودة كما هو الحال اليوم في أمور أخلاقية خاصة فيما يتعلق بالنساء , فإن المعروف الذي يأمر به وهو الكثير من الأمانة والعدل والصدق وإتقان الأعمال وما شابه ذلك لم يعد أحد يهتم به ويأمر الناس به ويبين لهم حكمه وعظيم أثم تركه، وحينما يقتصر المنكر على شرب الخمر والمخدرات ومتابعة الناس الا يتركوا صلاة الجماعة ومعاقبتهم على ذلك وأمر النساء بتغطية الوجه في الأسواق وما شابه هذا، فان كثيراً من المنكرات لن تجد من ينهي عنها فالمظالم تنتشر وتتفاقم في كافة المجالات، والكذب يشيع وتشيع معه الإشاعة بل الفاحشة وأكل أموال الناس بالباطل يجد له بيئة حاضنة ويصبح الضعيف لا ناصر له في مجتمع الأصل فيه أن يتساوى فيه الناس في الواجبات والحقوق ويضرب التمييز بينهم في كل أحداث حياتهم بأكبر نطاق.
ولم تكن الحسبة هكذا في القرون المفضلة فقد عنى سلف الأمة بأهم المعروف الذي يأمر به وهو ما أمر الله به أو ندب إليه سواء أكان أمراً تعبدياً شعائرياً أم كان معاملة هي الدين بمحاسنه يضبط الحياة، بمكارم اخلاق بعث بها خاتم النبيين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم – وبما به كمال البشر في هذه الدنيا من القيم العظمى للدين والدنيا من العدل والصدق والأمانة والمساواة، وتوفير الحريات للناس المسؤولة وانكار ما حرم الشرع وكره فعله من المحرمات في شرع الله المقطوع بتحريمها وهي كل ألوان الفساد الذي نخر في مجتمعات المسلمين اليوم من نهب العام واختلاسه والتلاعب به والحيل للحصول عليه وعلى الوظائف العامة ممن لم يؤهلوا لها، وكل ظلم يقع في المجتمع على فرد او جماعة وانكاره والسعي لازالته وليس مثل العدل دواء لمن أراد للامة فلاحاً ورقياً وتقدماً، ولعالم جليل من جيل الموسوعيين في القرن السادس والسابع الهجري كتاب في الحسبة شهير اسمه (معالم القربة في طلب الحسبة) ومؤلفه محمد بن محمد بن احمد بن ابي زيد بن الأخوة المتوفى في سنة 729هـ وهو كتاب شامل لكل وجوه الحسبة على الصورة التي أشرت إليها آنفاً في باب الأمر بالمعروف وفي باب النهي عن المنكر، ودعا الى جهاز للحسبة لا يترك منحى من الحياة الا وله وجود فيه حتى أن الحرف والمهن لكل منها محتسب من أهلها يختار من أهل التقوى يتابعهم في حرفهم ومهنهم يحاسبهم على أخطائهم ويمنعهم من ارتكاب ما يضر بالعامة بل وجعل حتى على العلماء حسبة وكل منصب حتى أهل المناصب الدينية وكأنه يدعو الى جهاز رقابة قوي يتابع كل الأنشطة في المجتمع المسلم حتى لا يدخلها الخلل او القصور او ترتكب المظالم اثناء مباشرتها فلا يكفي ان يراقب الناس الله في اعمالهم فإنما يراقبه الصالحون وقليل خاصة في المجتمعات التي ابتعدت كثيراً عن قيم الاسلام فمن لا يراقب الله لابد ان يراقبه المحتسب ويمنعه من أن يضر نفسه او يضر الناس وهو الأمر الذي أمرنا الله به فقال تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب) ولو اننا فعلنا هذا فكان من كل أهل حرفة ومهنة من يأمر أهلها بالمعروف وينهاهم عن المنكر بهذا الشمول لما وجدنا فساداً في مجتمعاتنا الاسلامية فهل نحن فاعلون هو ما أرجو والله ولي التوفيق.
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …