يقول العامة: اعط العيش لخبازه، ولو أكل نصفه، أي أن من يصنع الخبز يحتاج إلى علم بطرائق صنعه وإنضاجه وممارسة ذلك، ولو عهد لمن لا يمتلك ذلك ما أحسن إعداده، ولأكلتم عجينًا، فدعوه يعده ولو أخذ بعضه وغيبه عنكم، وهكذا كل عمل إذا عهد به إلى غير المتخصص فإنه لن يستطيع أداءه على الوجه الأكمل، الذي يجعلنا ننتفع به، ولكنا أحيانًا نجهل البديهيات في هذه الحياة، فنعهد بالعمل إلى من لا يحسنه، وحينما طرأت الأزمة الحالية التي نعيشها اليوم على حدودنا الجنوبية واضطررنا للاشتراك في حرب ندفع بها عن بلادنا شر ميليشيات جماعة طائفية، لم يكن في صحفنا من هو متخصص في إعلام الحروب، في كل مراحل الحرب، فليس لدينا من تأهل ليكون مراسلًا حربيًا، ولم نجد في صحفنا من يقوم بالتحليل العسكري، ولا أظن لدينا من يحسن الإعداد لحرب إعلامية ناجحة، نرد بها على ما نتعرض له من مثلها، أو بمعنى آخر لم نعد مثل هؤلاء من قبل، بل ولم نشعر أننا في حاجة إليهم، ولعل الأمن الذي تمتّعنا به زمنًا طويلًا قد صرفنا أن نُعدّ للأمر عدته، لكن إذا نظرت إلى واقع إعلامنا نظرة عميقة عرفت أننا لم نؤمن بعد بالتخصص في كافة المجالات، فظننا أن العاملين في الصحف وكتابها يستطيعون القيام بكل الأدوار، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يكون واقعًا، ففي صحفنا الكثير مما ينبئ عن عدم علم ودراية بكثير من التخصصات الصحفية، بل إن بعض العاملين في صحفنا لم يتخصصوا في الإعلام، ولم يدربوا على العمل في الصحف إلا ما ندر، ولهذا فعملهم الصحفي يعتريه بعض القصور في نواحٍ متعددة، والناجح منهم فنجاحه مجير له.
ونحن في حاجة اليوم إلى أن ننبه إلى أن الصحافة صناعة ترتكز على علم وخبرة، وإذا فقدتهما فلن يكون لها نجاح تستمر به عطاء في مجالها، وهذا يدعونا إلى أن نطالب مؤسساتنا الصحفية سواء أكانت إصداراتها صحفًا ورقية أم إلكترونية أن تنفض عنها الغبار وتلتحق بإعلام العالم الحديث المتطور، والذي يؤسس للعاملين فيه الأكاديميات ومعاهد التدريب لينجح في صناعته التي إن نجح فيها خدم وطنه وأمته، وبلاغة الكلمة قد تفيد الخطيب، ولكنها لا تصنع صحفيًا ناجحًا ولامعًا، والعالم لا ينشئ الإعلام ليكرر الكلام من خلاله فيما لا يعود عليه بنفع أصلًا، وإنما ينشئ إعلامًا يقود به حربًا شرسة تزعزع كيان أعدائه، والحرب الإعلامية اليوم أشد الحروب شراسة، ففي الغرب تقود أممه حروبا عبر الإعلام منذ الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم وتطورها وتجعلها رديفا لحربها الاستخباراتية، والتي بهما أسقطت إمبراطورية عظمى كالاتحاد السوفيتي، حتى أصبحت لديها مؤسسات للحرب الدعائية، المنتصر فيها يدعم بها جيوشه لتنتصر بأقل تكلفة، ولعلنا إن شئنا حربًا إعلامية ستكون أصدق الحروب وأنظفها، إن استطعنا تأسيسها على أسس تتخذ من المبادئ قواعد تقوم عليها، لتنقل للناس الحقائق من إعلاميين متخصصين، ولتقود إلى النصر الذي نستحقه بلا شك.. فهل نفعل؟ هو ما أرجو.. والله ولي التوفيق.