استبداد الفوضى

الفوضى تولد استبدادًا لا يمكن التخلص منه، فالهدم سريع والبناء صعب للغاية في عالم تحكمه اليوم رأسمالية بشعة

حينما تظاهر التونسيون ضد حكم رئيسهم، انتعش كثير من نشطاء السياسة في كثير من البلدان العربية، ورفعوا أصواتهم منددين بالاستبداد وداعين بالثورة عليه، وظهر بين الناس أبطال وهميون، لم يعرفهم الناس في مجال السياسة قط، بل إن بعضهم إما عاطل عن العمل أو شبه عاطل، وإذا به الزعيم الوطني الذي لا يشق له غبار، واختلط الحابل بالنابل ولم يعد أحد يفرق بين الأبطال والأراذل ولا بين الفضلاء الحريصين على أوطانهم، وأولئك الذين لا يرون في الأوطان إلا حفنة رمل قذرة كما نطقت بذلك ألسنتهم!!.

وانتقلت التظاهرات إلى بلدان أخرى بدأت سلمية وانتهت مظاهرات مسلحة، وبدأ الاحتراب بين الأنظمة وهؤلاء المتظاهرين، وتنبهت كل خلايا العنف النائمة وانضمت إلى المتظاهرين في الميادين، ولم يعد التفريق بينهم وبين المتظاهرين السلميين واردًا، وتنبهت الجماعات التي كانت تعمل في السر إلى الوصول إلى الحكم وركبت الموجة بل بعضها أصبح في المقدمة.

وانهارت الدول وخربت أجهزتها وشاع الانتقام بين الناس، وأصبحت الحياة مستحيلة، وأصبح كثير من مواطني تلك الدول في حال لا يحسدون عليها، فالأمن مفقود والعمل من أجل الوطن متوقف لا أحد يقوم به، ورأينا كيف تنهار الدول وبسرعة البرق وتصبح المجتمعات حطامًا.

وغاب المستبد الفرد وحضر المستبدون من كل لون، فهذه جماعة ظلت تعمل في السر عقودًا فإذا هي تسيطر على مجتمع وتستبد به، فينهض الناس دفعًا لاستبدادها وقد يقعون في استبداد أشد.

والفوضى – سادتي- تولد استبدادًا لا يمكن التخلص منه بيسر، فالهدم سريع والبناء صعب للغاية في عالم تحكمه اليوم رأسمالية بشعة، وكثير من أوطاننا العربية قليلة الموارد تنقصها الكوادر المؤهلة لإدارة دولة بعد الانهيار.

وستصنع فيها الفوضى ما لم يفعله الاستبداد الفردي، فإذا كانت هذه المجتمعات تقدمت درجة ولو من الناحية المادية، فإنها في ظل هذه الفوضى ستعود إلى الوراء أزمانًا.

فكيف إذا هدمت المدن والقرى، ولم يعد للكهرباء وجود، وساءت الطرق وهرب الفلاحون من حقولهم، والعمال من مصانعهم، وإذا البلاد لا حياة فيها وتلفتوا حولكم ترون ذلك في سوريا وليبيا واليمن إلى حد ما.

أما ما نادى به الغرب من ديمقراطية وغزا العراق وأفغانستان من أجل أن يحرر الشعوب كما زعم، ولم يستطع أن يحررهما إلا من الأمن، ونشر بديلًا له الرعب وها نحن نرى البلدين وقد عادا إلى أزمنة التخلف في كل النواحي، مع أنهما أصبحا ساحة معارك لا تهدأ، الضحايا كل يوم بالعشرات، والأحياء المتبقية في المدن تهدم.

صدقنا الغرب يوم دعا إلى الحرية والديمقراطية ونسينا ماضيه العنيف ضد شعوبنا حينما كانت دوله تتبارى في استعمار كثير من أوطاننا، ويمضي زمان طويل وهي تستعمرها ولم تقدم لها أي شيء، حتى ثارت شعوبنا في وجه هذا الاستعمار واضطرته للخروج منها مهزومًا، ولم يتركها عندما خرج منها كما نعلم تنهض وأصبحت الحرب اقتصادية ثم محاولة العودة من الشباك بعد أن خرجت من الباب.

واليوم وقد أصبح الربيع خريفًا، بل أصبح نارًا تحرق من ظنوا أنه يحررهم من الظلم، بدأنا نسمع من بعض من أسموا أنفسهم نشطاء سياسيين وما عرفوا ماهي السياسة قط، إن ما حدث هو ثمن الحرية، يريدون أن يزيفوا الحقائق وهي ظاهرة بينة.

فأي حرية هذه التي ثمنها انهيار الحياة التام في بعض أقطارنا ولا أحد يدري متى تعود الحياة إليها، حتى أن البسطاء حتى ولو كانت أضرارهم بالغة من نظام سابق أصبحوا اليوم يترحمون على عهده.

ولو استقرت الأوضاع في بعض هذه الأقطار التي دمرت فالبناء سيأخذ أزمانًا طويلة حتى تعود إلى ما كانت عليه لا إلى ما كانت تصبو إليه من تقدم وهي تظن أن ما حدث سينهض بها حتى تكون منافسًا لدول الغرب المدعية لمناصرة الشعوب زورًا وهي ترمي بها في أتون حروب أهلية قد لا تنتهي في المنظور القريب وقد تستمر إلى أمد بعيد، والغرب وإن عاون على إشعال نار الثورة كف عندما تحقق ما يريد، وأصبح إخواننا في تلك الأقطار يعانون الآثار، فاحذروا فالحرية لا تنتج هذا الدمار، ولكن الفوضى هي المدمر أعاذنا الله وإياكم من آثارها إنه المجيب للدعوات.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: