في السنوات الأخيرة فقدنا البهجة في العيد، ولسنا ندري من هو الذي منعها عنا، حتى عز على الناس الابتسام، فما بالك بالضحك الذي يملأ الرئتين هواءً نظيفا؟!
عندما كنا صغارًا كان للعيد بهجة وضجيج وحركة تدخل إلينا الكثير من السعادة المؤقتة بأيامه، فإطلالة العيدين، “الفطر والأضحى” كان لها أثر في حياتنا حتى في مدننا القريبة من مكة والمشاعر، بل إننا في مكة نحيي أيام عيد الأضحى ولياليه بفرحة، يساعد على اتساعها وجود الحجاج، الذي كان يثير فينا البهجة، وكان الاهتمام بعيد الصغار يشغل الجميع.
فتنتشر في الحواري المراجيح وألعاب إبداعها وصنعها محلي، وهي على بساطتها وقلة تكاليفها تسعد الأبناء، وهم يحظون في العيد بالثياب الجديدة، ويتلقون العيدية قروشا معدودة، وهي إن بلغت الريال فهي بيوت أفاض الله عليها النعمة، ولكن الفرحة تعم الجميع.
ولكنا في السنوات الأخيرة فقدنا البهجة في العيد، ولسنا ندري من هو الذي منعها عنا، حتى عز على الناس الابتسام، فما بالك بالضحك الذي يملأ الرئتين هواءً نظيفًا، نحن من الناحية المادية تجاوزنا أحوالا كنا نعاني منها قلة ذات اليد، وشيئا من قلة في الدخل، وأصبحنا أكثر غنى إلى حد ما، وحصل البعض منا على أكثر من الضروريات، وبعضنا حصل على أكثر من الكماليات، ولكن الفرحة تكاد تفقد بين الجميع.
تخرج يوم العيد فتظن أن البلد خلت من سكانها، لا ترى في الديار ديارًا، وتعجب لزمن مضى كيف يعود الناس من صلاة العيد جماعات يتوزعون في الأحياء يزورون أحباءهم يهنئونهم بالعيد، يبدأون بالأقرب فالأقرب، وتتناوب الأحياء أيام العيد لكل حي أو حيين يومًا يزارون فيه، وترى الآباء يرافقون أطفالهم لما انتشر من ملاهٍ صنعها نجار البلد ويحرصون عليهم، فإذا المدينة كلها حركة وحياة، وإذا جاء المساء طُف في أرجائها فتجد الناس يبتهجون، يلعبون ألعابًا مختلفة ويرددون أهازيج تدل على ما يدب في قلوبهم من مسرات، وإن قل ما في ذات أيديهم.
أما اليوم فالنهار ساكت لا صوت فيه إلا أن يكون بعد العصر وحتى العشاء ثم يختفي الناس في بيوتهم إلا القلة من الشباب، فإذا الليل كما كنا نقول لمن لم يحج أنهم خليف، يختفون في البيوت خشية ليلة فرح النساء فيما سمي آنذاك “بالقيس”، حيث يمشين في الشوارع والأزقة يتساءلن لماذا لم يحج ولماذا هو هنا “ليش”، وتلبس بعضهن لباس الرجال، ويطفن الحارة في فرح لا يعترضهن رجل، فهو فرحهن.
ودعونا أيضا نتساءل لماذا تغيب البهجة عنا في أزمان علا فيها شعور بالحزن زائف، يلح عليها رجال منا، وكأن الحياة لن تنتسب للإسلام إلا إذا غمرها الحزن، وتمنى الموت في صراع، ولو لم يكن لنا به صلة، بل إن من أنشأه من لا يؤمن معنا بهذا الدين الحنيف، وغايته أن يشغلنا بلون من القضايا تولّد لنا مشكلات دائمة.
إن غياب هذه البهجة أننا نعطل الحياة في الأيام التي شرعها الله لنا لنفرح فيها، فالعيدان عندنا تتعطل فيهما الحياة تمامًا، فالأسواق توصد أبوابها في وجه روادها، والإدارات الحكومية كذلك، بل لعلك إن زرت المستشفيات لم تجد حتى الأطباء المناوبين فيها إلا ما ندر، وسترى أن العاملين فيها قد تقلصت أعدادهم إلى حد يظهر القصور في الخدمات المقدمة للمرضى المقيمين فيها، حتى الصحف بعضها يغيب وبعضها يقلص عدد صفحاته.
وأينما توجهت ستجد الحياة تتعطل، ولن تجد مثل هذا إلا في بلادنا فقد زرت بلادًا متقدمة وأخرى عربية إسلامية أثناء أيعادها ولم أجد كهذه الصورة أبدًا، بل إن الحياة فيها حية في العيد أكثر منها في غيره، أما نحن فنهوى أن تكون خصوصية لنا لا نشارك غيرنا فيها.
ولهذا تجد اليوم أن الناس في هذا الوطن يرحلون قبل العيد شرقًا وغربًا يبحثون عن البهجة، عن شيء من سرور ينفضون فيه ما شحنه في نفوسهم دعاة الموت والأحزان، فأفسدوا عليهم الحياة، ورغم سوء ما يفعلون إلا أنهم وللأسف لا يزالون يمارسون هوايتهم في غسل أدمغة مراهقينا وتحريضهم للالتحاق بكل حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، لله ما سال من دمائهم على كل أرض، دفعوهم إليها ليقتلوا، في أبشع صورة تتناثر أشلاؤهم في كل مكان، منها ما يجمع ومنها ما يبقى في المكان تدوسه الأقدام، خدعوهم فزعموا أن قتلهم أنفسهم استشهاد وماهي إلا كبيرة من كبائر الذنوب، فلا أجر حصلوا، وسببوا للآباء والأمهات حسرة، ونجا المنُظّر والمحرض لهم من أي عقوبة كان يستحقها لأنه يدعوهم خفية.
ولتعود إلينا البهجة في أعيادنا والبسمة على شفاهنا، ونجد السرور يعدي بعضنا بعض به، لابد وأن نحارب هذا الغلو في الدين والانحراف عن سماحته حربًا تقضي عليه، فهل نحن مستعدون لذلك؟! هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.