الفنون بمعناها الواسع، الذي يدخل فيه العلوم المتفوِّقة النظريَّة والعلميَّة، وكذلك الرسم والنحت، والتمثيل والغناء، كلّ هذا الطيف من الفنون يحتاج إلى الإبداع، الناتج -ولا شك- عن مواهب بشريَّة، تجعل من صاحبها نجمًا في مجاله، يُشار إليه بالبنان. والمبدعون عبر العالم يجبرون الناس على معرفتهم، وتتبّع نشاطاتهم في شتّى المجالات، حتَّى ما يسمّيه مثلي ممّن تخصَّصوا في علوم الدِّين، فنون اللهو من غناء ورقص، وما شابه ذلك، فلا شيء في الحياة يمكنك أن تتميَّز فيه إن لم تبدع، أمَّا أن يصنع منك الإعلام في هذا العصر نجمًا، فأنت إن لم تكن مبدعًا ستنطفئ سريعًا، والإبداع وحده هو ما يصنع النجوميَّة الحقة، ولكن الكثيرين من البشر في هذا العصر ينفقون أموالاً طائلة ليكونوا تحت نظر الناس مشهورين، ومن هنا نشأت في هذا العصر عبر الإعلام ما سُمِّي «صناعة النجوم»، هذه الصناعة التي قدمت للبشريَّة أغبياء بعد أن ألبستهم أردية مغايرةً ليظهروا للناس وكأنَّهم مبدعون، متناسية أن الزيف مهما طال أمده حتمًا سينكشف، فيعاني النجم المصنوع من الأمراض النفسيَّة ما الله به عليم، حينما يسقط في أعين الناس، ولا يعود يهتم به، أمّا من تميَّز إبداعًا وتفوقًا فسيبقى ذكره عبر العصور باقيًا، ولا يزال المبدعون نجومًا عبر التاريخ، تومض إلينا ونتعرف عليها بسهولة، أمّا النجم المصنوع فقد يعيش بيننا ولكنَّ الكثيرين لا يهتدون إليه، فليس له إشعاع يصل إليهم، ويحرّك مشاعرهم نحوه، وهنا يحاول البعض منا أن يكون نجمًا رغم أنه يفتقد الإبداع، ولا يعلم أنه مهما بذل من جهد فسيبقى مجهولاً، حتَّى وإن حاول الإعلام تلميعه عبر فترة زمنيَّة لابد ستنتهي بأن يتوارى عن الأنظار، فليس لديه ما يقدّمه للمجتمع الذي يعيش فيه، والعجيب أن قنوات الفضاء الخاصّة اليوم يكثر فيها ما يُسمَّى صناعة النجوم، في جميع المجالات، ولكنها في ما أسميه فنون اللهو أكثر، ومع ذلك لو أمعنوا النظر لوجدوا أن هذه الصناعة تغيّبهم عن المجتمع بدلاً من أن تعرّف المجتمع عليهم، فمن لا يجد من المواهب شيئًا يذكر مهما فعل، أو فعل به فلن يصل إلى مبتغاه إلاَّ عبر مواهبه، وهي إن كانت مفقودة فلن يعرف الناس عنه شيئًا يُذكر إلاّ في محيطه الأدنى، ويصرُّ البعض على أنَّهم مبدعون مثلاً في مجال التمثيل، وهم لا يمتلكون موهبة تجعلهم يتفوّقون في هذا المجال، فتكثر أخطاؤهم، وذلك أنهم يفتقدون الموهبة والمعرفة والخبرة معًا، ولم يحاولوا قط اكتسابها فلم يتقدّموا عبر السنين، ولا يزالون هواة يمارسون ما لا يحسنون، يكرّرون أنفسهم كل عام، يحاولون تقليد اللهجات، ويعتبرون ذلك فنًّا، ويفشلون، ثم يكرّرون موضوعاتهم ويفشلون، ويستعينون بأمثالهم من الهواة، ولا يطلبون المعرفة والخبرة عند مَن سبقوهم في هذا المجال، ولا أتوقّع لهم نجاحًا مهما فعلوا، مادام الذي ينقصهم الأساس وهو الموهبة، والموهبة ما غابت إلاَّ وغاب الإبداع، فلا إبداع بلا موهبة، وإذا كان من يثني عليك مثلك لا موهبة له، فثناؤه ضار لك لو كنت تعلم، وجهلك بأثر الموهبة هو ما يجعلك دومًا غير مبدع، فلا تحاول ما لا تستطيعه، وابحث عن ما أنت مهيَّأ له، فذاك لك أنفع، هذا إذا كنت تسمع النصيحة فارأف بحالك وحال من تعرض عليهم ما تعتبره فنًّا، وهو لا ينتسب إلى الفن بأي صورة، فاشتغال الإنسان بما يحسن هو سبب نجاحه، وفشله ولاشك مرتبط بمحاولاته أن يجيد ما لا يحسنه، وليس لديه مؤهلاته، فهل اقتنعت؟ هو ما أرجو.. والله ولي التوفيق.