صاحب القلم عليه مسؤولية ألا يذكر إلا ما يعرفه حقيقة وبحيادية تامة.. وألا يثني إلا على من يستحق الثناء
لا أحد يشك إداريًا أن لرئيس الإدارة الحكومية والمشرف عليها دورًا كبيرًا في جعل هذه الإدارة الأكثر نشاطًا, وتقوم بمهامها على أفضل مستوى يستطيعه البشر, إذا توافر لهذا الرئيس الإخلاص في العمل, وأن يخدم مواطنيه بما يستطيع من حسن تعامل, وتوفيره لما يطلبونه من إدارته من خدمات.
وحتمًا أن مثل هذا الرئيس لا يحتاج من الناس الثناء عليه, إذا كان إنما يؤدي واجبًا دون أن يلتفت إلى ثناء عليه أو بمقارنته بغيره, وقد عرفنا من المخلصين العاملين في أجهزة الدولة عددًا ممن قاموا بعملهم على أحسن وجوهه الممكنة, ومضوا إلى ربهم دون أن يلتفتوا إلى ما قد يثني به الناس عليهم, ولا بما يقارنونهم بمن سبقهم في المنصب أو لحقهم, لأن أداء واجبهم إنما هو طبيعة فيهم, ولأنهم به يرضون الله ولا يطلبون رضا الناس, وهم يعلمون يقينًا أنهم إذا أرضوا ربهم حتمًا سيرضى الناس عنهم, كما أنهم لو لا سمح الله أسخطوا الله, لسخط عليهم وأسخط الناس, وآفة هؤلاء الذين ابتلوا بالعمل الحكومي في مناصب كبيرة فئة من الناس, يتقربون منهم من أجل قضاء حوائج لهم, فهم إن قضوا لهم حاجاتهم أثنوا عليهم, وإن لم يقضوها لهم ذموهم, وقارنوهم بمن سبقهم أو لحقهم ولأعلنوا لهم في حالة الرضا ألا أحد سواهم يستحق أن يرأس هذه الإدارة, وفي حالة عدم الرضا أظهروا لهم أن من كان قبلهم خير منهم وأفضل, وإن تحققت لهم مصالحهم ولو تعارضت مع النظام رضوا وأثنوا, وإن لم تتحقق لهم سخطوا وعابوا, ورئيس الإدارة أو ذو المنصب في الجهاز الحكومي إن أصغى لمثل هؤلاء فهو لا شك سينال غضبهم حتمًا, لأنه إن قضى لهم المصالح في حال لم تخالف النظام رضوا, ولكنه رضا مؤقت, فما ان يطلبوا طلبًا آخر لا يستطيع الاستجابة له ملؤوا الدنيا ضجيجًا بالحديث عن قصور أدائه وعدم خبرته وألصقوا به ما شاءوا من النقائص, والمجتمع إذا ابتلي بهذا الصنف من الناس خاصة إن كانوا ممن يعملون في الصحف أو يكتبون فيها, فإنهم سيسعون دومًا إلى غمط المخلصين حقوقهم, إن كانوا في المناصب سعوا إليهم فإذا غادروها عابوهم, ظنًا منهم أنهم إذا عابوهم أرضوا من خلفهم في المنصب, وقد يكون الرجلان من مدرسة واحدة في الإخلاص, فيدرك اللاحق سوء هؤلاء وسوء مقاصدهم فلا يصغي السمع لهم, ويجب أن يحذرهم الجميع, لأنهم أدوات هدم لا بناء, فمن يوفق إلى خدمة الوطن والناس, ويرضي الله بعمله يجب ألا يلتفت اليهم حتى لا يصرفوه عن ما يقوم به تجاه مجتمعه من خدمة جليلة المقدار, يتوخى بها خدمة أبناء وطنه الذين لا يجدون في وسائل العصر التي تغيرت وللأسف, والتي جلها مما لا يرضي الله عنه من الوساطات التي تقدم من لا يستحق على من يستحق فيصبح المستحق لا يجد فعلًا, والرشوة التي بدأت في الظهور في بعض الإدارات وبعض الفساد الذي يعتري بعض الإدارات أهلية كانت أم حكومية, والذي أصبح يتكشف حينًا بعد حين, وصاحب القلم عليه مسؤولية عظيمة ألا يذكر إلا ما يعرفه حقيقة وبحيادية تامة, وألا يثني إلا على من يستحق الثناء في نظره في غير مبالغة ولاغلو فيه, ولا يسخط على أحد لمجرد أن له مصالح وإن خالفت النظام لم تقض له, أما من تعامل مع أحد من رؤساء الإدارات الحكومية أو أهل المناصب فلقي منه حسن التعامل فأثنى عليه أو على أكثر من رئيس إدارة حكومية لأنه رأى أنه يستحق الثناء ولمس منهم العمل الطيب للوطن والمواطنين فإنه لا يلام على ذلك ولا يطلب منه أن يميز أحدهما على الآخر بما لم يعرف ولم يرَ, وليت مجتمعنا يعرف هؤلاء الذين نسميهم في مجالسنا (أهل اللغوصة), الذي شغلهم الشاغل الإيقاع بين الناس بثرثرة لا مسؤولة فيحمي نفسه منهم, هذا ما نرجو والله ولي التوفيق.