لا تزال هذه الجماعات تتناسل، حتى رأينا داعش وما أدراك ما داعش، تقتل وتذبح وتستحضر الكاميرات لتصور أبشع المشاهد، من أجل إخافة الناس.
إن أشد ما يصيب الدين فيحرفه عن غاياته ومقاصده هو الغلو ولا شك، فالغلو في الدين أفسد على من قبلنا دينهم، وجعلهم ينظرون إلى كل من سواهم أنهم أميون لا يحاسبون على ما فعلوا بهم، أليس ربنا عز وجل يقول:(ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل)، لذا قال لهم ربنا عز وجل (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)، والغلو في الدين هو مجاوزة الحق، فكل من جاوز الحق سواء في تفسير النص الشرعي، وأنزله في غير ما ينزله عليه أهل العلم الذين يخشون الله، فلا يتأولون نص الشرع بالهوى لمجرد أن يجعلوا منها أداة لنصرة مذاهبهم أو تياراتهم التي ينتمون إليها، ولنتذكر قول المولى عز وجل: (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ)، فجاء الغلاة الأول من هذه الأمة وهم الخوارج فأولوا الآية بما هيأت لهم أهواؤهم أن ميل طائفتين عظيمتين من المسلمين إلى الصلح وتحكيم كتاب الله خروج على الدين، لأنهم ظنوا أن الحق معهم وحدهم وأن لا أحد من أولئك الرجال الذين نزل القرآن وهم صحب النبي يتلقونه منه كما أنزل، فحكموا بكفرهم، وخرجوا عليهم بالسلاح، وقاتلوهم بل واشتد لهم القتال، وظلت لهم توابع على مرّ الزمان، فما أن تشتد عليهم الدول حتى يختفون إلى حين، فإذا أحسوا وهنًا فيها وهنا خرجوا عليها مرة أخرى.
وأتباعهم اليوم أخترعوا مسمى جديدًا لجهلهم الموسوم المعلوم وهو (الحاكمية) بظنهم السيئ أن حكم الله لا يعلمه سواهم، بل وزادوا على من سبقهم فجعلوا حاكميتهم هذه المعتمدة على النص ذاته الذي اعتمده أوائلهم في عهد الخلفاء الراشدين، والذي أشرنا إليه آنفًا، هي عقيدة التوحيد فمن لم يؤمن بها فقد خرج بها من الملة، وظهر تكفير الحكام اعتمادًا على قول الله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)، ولم ينظروا إلى ختامها بـ “الفاسقين” مرة وبـ “الظالمين” أخرى، ولم يبحثوا فيما أنزلت وكيف فسرها العلماء ثم بدأ بعدها تكفير الشعوب، لأنها كما ظنوا قد خنعت لحاكم فقبلت بغير حكم الله، وشاع هذا المفهوم لدى كل الجماعات التي انتسبت إلى الإسلام زورًا، وهي تحترف استباحة الدماء والأموال والأعراض، وأصبح كل من تنازعه نفسه للخروج على الأمة بالسلاح يعتنق هذا الفكر فيقتل ويدمر.
ولا تزال هذه الجماعات تتناسل، كلما ظهرت منها جماعة حاولت التفوق على سابقاتها، حتى رأينا داعش وما أدراك ما داعش، تقتل وتذبح وتستحضر الكاميرات لتصور أبشع المشاهد، من أجل إخافة الناس، وتسبي النساء وتجعلهن سلعة يتداولها مقاتلوها إمعانًا في التخلي عن كل أحكام هذا الدين.
ولا يكفي هذا حتى تجد لهذا اللون من الإرهاب القذر أعوانًا يناصرونهم ويبذلون لهم الأموال، ويبحثون لهم من ينضم إليهم خاصة صغار السن، الذين لا يمتلكون علمًا ولا تجربة.
ويوم أن حدث على أرض الأحساء هذا الحدث المفجع والذي ذهب ضحيته سبعة من إخواننا، ورجلان من رجال أمننا، رأينا الجميع يستنكرون حتى أولئك الذين عاشوا العمر كله يحرضون على فكر طائفي يحشد الناس لكراهية متبادلة.
وهؤلاء الذين قاموا بهذه الجريمة النكراء التي لم يكن المقصود بها فقط من قتلوا فقط أو أهليهم، إنما كان المقصود الوطن كله وأهله، فهم مكفرون للجميع جاءوا من ذات الرحم، والخشية أن الثقافة التي أنشأت هذا اللون من التكفير، لها وجود في ثقافتنا الدينية المحلية، وهي موجودة في غالب الظن.
فالخلاف العقدي عندنا لا يبحث في الجامعات والمجامع العلمية بل يعلن للعامة فوق منابر المساجد وفوق صفحات الصحف واليوم على صفحات الإنترنت في تحريض واضح جلي، فكيف لا يحدث ما حدث، فنحن إن أردنا أن نبعد عنا شبح هذه الجرائم الإرهابية فعلينا أن نكف عن هذا الأسلوب من الآن فصاعدًا، وعلينا أن نعاقب المحاربين بما شرع الله نعاقبهم أليس ربنا يقول: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
فهذا العلاج الناجع لهؤلاء، الذين احترفوا التكفير والتفجير استحلوا الدماء والأموال والأعراض، ولا علاج غيره، فهل نفعل هو ما أرجو والله ولي التوفيق.