هذا الإرهاب الذي يزهق الأرواح، ويعتدي على الأعراض، ويدمّر العمران، والذي شاع في بعض أوطاننا العربية، تقوم به جماعات دُرِّبت على الإجرام حتّى أتقنته، وساحت في أرض الله تفتك بكلِّ شيء، فجماعاته هذه إنّما هي كيانات إجرامية، ولا يمكن أن تُوصفَ بغير هذا، فليسوا هم -كما يزعمُون- إسلاميين، فالإسلامُ براء منهم، ومن أفعالهم، ومَن يصفهم بذلك هو شريك لهم، يبرر أفعالهم، وليسوا هم جهاديين، فهم جهلة بالجهاد، ولا يقومون به، كل مَواطِنِه خلو منهم، ولا تجدهم إلاَّ في ديار الأبرياء، يقومون بقتلهم، ونهب أموالهم، وسبي نسائهم، ومع كل هذا الإجرام تردد أنهم: «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، أو هم الدواعش على طريقة الغربيين في اختصار الاسم، إذا طال بأخذ حرف من كل كلمة من كلماته؛ ليسهل على اللسان نطقها، وهم في الحقيقة مجرمون قد دُرِّبوا على الإجرام للانتقام، ولتدمير أوطاننا، وحتماً لهم منظِّرون، ومموِّلون من قوى في هذا العالم، لا تريد لبلداننا استقرارًا ولا تقدّمًا، وقد كانت البداية منذ زمن طويل، حينما زرعت جماعة سُمّيت «الإخوان المسلمون» في مصر، ثم انتشرت في سائر الأقطار، فكان لها كيان عام، له فروع في سائر أقطارنا، ينظر للحاكمية، فيُعيد ما سعت له جماعة إجرامية اسمها «الخوارج»، يوم تأوّلت قوله تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ)، وكان لها تنظيم أشبه ما يكون بتنظيم الماسونية، بأعضائه الذين هم على درجات، والذين ينصر بعضهم بعضًا، حتّى ولو كان بعضهم على باطل محض، وعانى المسلمون منهم عنفًا في بداية ظهورهم -ولا يزالون- وتفرّعت عنهم جماعات، وكيانات إجرامية متعددة، آخرها «القاعدة»، والتي أسلمت اليوم الراية، لهذه المجموعة القذرة، التي يردد اسمها الإعلام العالمي، وكأنه تبرير لوجودها، ويخوفوننا بأنّه لا يمكن لنا القضاء عليها إلاَّ عبر أعوام طويلة، وأصبحت تجنّد المراهقين عبر وسائل الاتّصال الحديثة، وتوصل إليهم التمويل، وتجرى لهم التدريب؛ ليقوموا بأقذر الجرائم، وبيننا أناس يبرّرون لهم، ويدَّعون أنّهم شباب متحمسون، يرون مظالم الغرب، ويريدون الانتقام لأمّتهم، ولكنّا لم نرَ لهؤلاء إرهابًا إلاَّ في بلداننا المسلمة فقط، وقلَّ استهدافهم لغيرها، وتتعدّد جماعات الإجرام بأسماء مختلفة، فهؤلاء زعموا جندًا للإسلام، وآخرون جماعة لبيت المقدس، ضلّوا الطريق إليه، وظلّوا يعيثون فسادًا في ديار الإسلام، وهؤلاء جماعة إسلامية، لا تعرف سوى الإجرام، أمّا الإسلامُ فلعلّها لا تعرف سوى اسمه، وهؤلاء أجناد مصر، وأولئك جيش أبين الإسلامي، وهؤلاء جماعة النصرة، لا ينصرون إلاَّ المجرمين، وهؤلاء حركة الشباب المجاهدين، وما عرفوا جهادًا، وما عرفوا عن الإسلام إلاَّ قشورًا، وحركات متعددة للجهاد والإسلام زعموا، وكانوا من قبل جماعات للتكفير والهجرة، وهذه «بوكو حرام»، وتلك جماعة طالبان التي تريد إقامة حكم بدائي، والإرهاب يظل الآن الهاجس الذي يتحدث عنه العالم، وكل يدّعي أنه قادر عليه، إلاّ أنه يتنامى وتتعدد جماعاته، والذين يحاربونه عن بعد ما نجحوا قط في حربه مهما كانت تصريحاتهم قوية، والبلدان التي سقطت حكوماتها، بل سقطت فيها مؤسسات الدولة، وانتشرت فيها الفوضى تئن من العمليات الإرهابية التي تكاد أن تكون يومية، ولا يزال الأفق يتّسع لحرب فكرية يمكنها القضاء على الأفكار المؤسسة للإرهاب، لو أردنا أن نحشد لها علماء مخلصين يبحثون عن جذور هذه الأفكار، وينشرونها على الناس، ليمكن للجميع أن يواجهها بعلم وحكمة، وتقوم الحكومات بحرب حقيقية لهذه الجماعات حتى تجتثها من فوق الأرض بحزم وقوة، فقد تعاظمت الخسائر ولابد من وضع نهاية لهذا الإجرام المتنامي في كل أقطارنا المسلمة، فلن يزيل الشر من بلداننا سوانا، ولعلنا نفعل، فهو ما أرجو، والله ولي التوفيق.