ما إن وصل هؤلاء إلى سدة الحكم حتى انطلقت فتاوى جماعاتهم بالتكفير والتهديد لسائر الناس في أوطانهم
إن الإسلام دين يدعو معتنقيه أن يعتصموا بحبل الله وألا يتفرقوا, فهو الدين الذي جعل الإخاء فيه هو الأصل, فقال الله عز وجل (إنما المؤمنون إخوة), فأقوى رابطة بين المؤمنين, هي هذه الرابطة الأسمى رابطة الإيمان, والله عز وجل يقول (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون, ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون), فإنما الإيمان الجامع بينهم يقويهم وبه ينتصرون على عدوهم, لذا ورد قوله تعالى (ألا إن حزب الله هم المفلحون) فلا أحزاب في الإسلام إلا حزب الإيمان, وما عداه لغو, لذا نهى الله عز وجل عن التفرق فقال (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) ولم يعرف المسلمون التحزب في الدين ذاته وما فعلوا ذلك حتى تنازعوا ففشلوا وذهبت ريحهم, كصور التفرق باسم الطوائف, أو باسم العقائد, وجاءت الصور المتأخرة فظهرت الجماعات خاصة السرية منها, تتخذ من أول جماعة افتراق في الإسلام الخوارج مثلا وقدوة, فرأينا جماعات سرية انتشرت في عرض بلاد الإسلام وطولها, تكفر المجتمعات المسلمة وتفجر في تجمعات الناس, بدعوى أن الناس عادوا إلى الجاهلية, ورأينا من ينظر لجاهلية القرن العشرين كما يزعم, ويتهم ما عدا جماعته بالكفر والخروج عن الملة, فرأينا من سمى جماعته الجماعة الإسلامية, وذاك الذي سمى نفسه السلفية الجهادية, ممن نشروا في البلاد التي هم فيها الرعب وأسالوا الدماء, وكل هذه الجماعات خرجت من عباءة جماعة واحدة استغلت ما أسمته الصحافة العربية “الربيع العربي” وركبوا موجة الاحتجاجات ضد بعض الحكام المستبدين فقفزوا على كراسي الحكم في عدد من البلدان, وفازوا بالديمقراطية, وهم الذين كانوا يعددون لها النقائص والمعايب ويرون أنها تخالف الدين, ولما كانت أنفسهم تهوى الوصول إلى الحكم أظهروا أنهم يتخذونها مبدأ ليتمكنوا من حكم البلاد والعباد, وما أن وصلوا إلى سدة الحكم, حتى انطلقت فتاوى جماعاتهم بالتكفير والتهديد لسائر الناس في أوطانهم, ورأينا إهمالهم لمصالح الناس واهتمامًا مبالغًا بمصالحهم الخاصة والاستحواذ على كل شيء مما جعل أحوال بلادهم في مهب الريح سياسيًا, واقتصاديًا, واجتماعيًا, دون أن تتخذ الأسباب لوقف التدهور حتى شعر الجميع أن حياتهم تتعرض لخطر عظيم, ولا أحد منهم يهتم لذلك, وقد قلت منذ بداية هذه الأحداث إن هذه الجماعات لا تملك من الكفاءات العلمية والمبنية على الخبرات في أي مجال سوى مجال واحد, هو ما زعموه من أنهم دعاة ويربون الناس على الدين, وهو الأمر الذي لم يلمس له أثر على مدى تاريخهم الطويل, والذي أساء إليه ما قاموا به من اغتيالات, ولم ينس الناس لهم ذاك الجهاز السري الذي قام بها, وما حلوا في بلد من البلدان العربية أو الإسلامية إلا وسعوا لإنشاء فرع لهم فيها سرًا لأنهم يحلمون بأستاذيتهم للعالم التي تخيلوها منذ نشأت جماعتهم, وهم يدركون يقينا أن هذا الدين الحنيف يرفض هذه الصورة من التحزب للجماعات المنحرفة وأفكارها, ويحلمون بحكمهم العالم عبر تنظيم دولي لهم قيل أن لهم وجودا عبره في خمسة وسبعين بلدًا حول العالم, والغريب في الأمر أن الجماعة ليس فيها متخصصون في العلم الشرعي إلا العدد القليل والنادر, وغالبهم في علوم مختلفة زراعة وصيدلة وتحاليل طبية, وطب بيطري وطب بشري, ومع هذا فلن تجد بينهم أحدًا متفوقًا في أي من هذه العلوم, والغريب أن كل بلد أحسن إليهم نال منهم أسوأ ما نال صاحب معروف ممن أحسن إليه, ولا أزال أذكر جمعية الإصلاح التي انشئت في إمارة دبي وكان أكثر العاملين بها منهم وأنتم تعرفون بقية القصة, وكانت بلادنا والإمارات والكويت ممن استقبلهم حين محنتهم عندما سيق عدد كبير منهم إلى السجون, واحتضنتهم وأحسنت إليهم, فتآمرت على هذه الدول وعلى النابهين من أبنائها, ومن عمل في التعليم مثلي عرف ما أساءوا به إلى تعليمنا, خاصة التعليم العالي والذي تسربوا إليه حينا, وهم لا يملكون في الكفاءة العلمية ما يؤهلهم لذلك, وها نحن نرى فشلهم الذريع هذه الأيام, ومع كل هذا لا يزال عندنا من يدافع عنهم أكثر من دفاعهم عن أنفسهم, ألا ينتهون فيريحون أنفسهم ويريحون غيرهم, هو ما نرجو والله ولي التوفيق.