في هذا العصر المضطرب بالأفكار، وتعدد الثقافات، يتعرض شباب الأمة لخطر جسيم عبر دائرتين، كل منهما شاذ في أقصى الطرفين، فالمتطرفون في الغلو والشدة يواجهونهم بكل ما يشعرون معه ألا مباح في هذه الدنيا ينعمون به ويستمتعون به، وألا حرية لهم في الإعراب عن ما يفكرون فيه ولو كان خطأ لأن الدين كما قد يتصور الغلاة في الدين قيد على كل الحريات لا يعترف بها ولا يسمح لأحد أن يستخدمها، وفي الطرف الآخر متطرفون في التحلل من الدين وأحكامه، لا يرون في الحياة شيئاً محرماً، ومن هنا يدخل بين الطرفين دعاة شر يلقون على مسامع الشباب الشبه السوداء ليزعزعوا إيمانهم بالله،
وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبكل ما أنزل الله أو نطق به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد عرف المسلمون هذه الشبهة وألوانها، وعرفوا مصادرها، ورد عليها أفذاذ علمائهم، وحتماً لا يخشى على الدين الحق، الذي اختتم الله به رسالاته إلى الارض، رسالة الاسلام من هذه الشبهة التي يحملونها فما حركوا في أرض الله من ثوابت الدين ولا استطاعوا طمسها، من لدن عهد سيد الخلق المصطفى صلى الله عليه وسلم وحتى يوم الناس هذا، فالحق لا يطمسه الباطل، فالباطل كما وصفه ربنا في محكم كتابه زهوقاً حينما قال: (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً)، وكثيراً ما يقع الشباب في هذه الشبهة، وهم على صغر سنهم يسعون إلى أن تكون لهم مكانة في مجتمعاتهم، فيأتي من دعاة الشر من يدغدغ عواطفهم بأن الإبداع جرأة، ومخالفة للمألوف، وكشف للمسكوت عنه، ولم يعلم الشاب بعد أن الجرأة إذا كانت غير محمودة، فيها التطاول على الله عز وجل، وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى ما جاء به من الحق، وما هدى به الخلق إلى الدين، فإنها لا تسمى جرأة، وإنما هي وقاحة لا خير فيها، فمن ينازع المتطاول بهذا الشكل، أينازع الله ورسوله عليه الصلاة والسلام؟! إنه إن نازعهما خسر حتماً، ورمى بنفسه إلى التهلكة عاجلاً في الدنيا، وآجلاً في الآخرة ولا شك، ولم يعلم بعد أن كثيراً مما يدعوه المفتون بالضلال مخالف للسائد هو من ثوابت الدين وأصوله ومما علم منه ضرورة، مما لا يختلف عليه، ومن يعادي الدين فهو خاسر في دنياه وآخرته، والمسكوت عنه، إن كان في عرف العقلاء سوء أدب مع الله أو مع رسوله صلى الله عليه وسلم فكشفه بمعنى الإتيان به جهاراً عياناً، فإنما ذلك – أبنائي الشباب انتحار ولا شك، وإذا كنا نناهض اليوم بشدة دعاة الفتن، من هؤلاء الذين نظروا للعنف ومن قاموا به في مجتمعنا بالمواجهة الفكرية والأمنية، واستنفذنا شبابنا من براثن دعاة الفتن، فأنشأنا لهم لجان مناصحة، احتوتهم، حتى عادوا عن ما وقر في صدورهم من الباطل، وأنفقنا عليهم بسخاء ليعودوا إلى الحق فشبابنا المغرر بهم، الذين وقعوا في براثن دعاة الإلحاد أحق بهذه المناصحة، خاصة صغار السن منهم، واحتوائهم، وترسيخ الحق في عقولهم وقلوبهم، لنصلح فيهم ما أفسده دعاة الشر، ونعيدهم إلى مجتمعنا أفراداً أسوياء، لنستفيد من طاقاتهم، فهذا خير من أن ننادي بقتلهم كمرتدين، فلعل منهم في أرجاء بلادنا أعدادا كثيرة يحتاجون لمن ينقذهم من الضلال، لا لمن يهرق دمهم ويضحي بهم، ويدخل الحزن على عوائلهم -آبائهم وأمهاتهم وإخوانهم- فالمرتد يا قومي إذا ترك الدين وأعلن الكفر استتيب مدة على اختلاف في قدرها، فإن تاب وأناب لم يثرب عليه، وعاد مسلماً كما كان، وكلكم يعلم الاختلاف في حد الردة، كما يعلم كلكم الاختلاف في كفر ساب الرسول صلى الله عليه وسلم وعقوبته، فخذوا مما تعلمون ما يردع الناس عن التعرض بسوء لذات الله عز وجل ولمقام رسوله صلى الله عليه وسلم بما دون القتل إن أمكن، وساووا بين المسيئين إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام أياً كانت إساءاتهم، فلا تعاقبوا أحداً منهم وتتركوا آخر، ثم والوا هداية الضال ففي هذا خير للأمة وللإسلام، وفقني الله وإياكم لما يحب ربنا ويرضى، فذاك ما أرجوه لكم ولي، والله الموفق.