لا أشك لحظة في أن الله -عز وجل- إنما أرسل الرسل ليعرف الناس ربهم وما يجب له منهم، وما يترتب على ذلك من تبعات، فقد يصل الإنسان إلى الإيمان بأن له خالقًا يهديه عقله إلى ذلك، ولكنه قد لا يصل مع ذلك إلى ما يجب عليه تجاه هذا الخالق ما لم يعرف بذلك.
وكما قال علماؤنا منذ عرفوا الإسلام: إن معرفة الله وما يجب له من الخلق هي قضية الطاعة، والرسل يعرفون العباد بربهم وما يجب له، ولتكون له الطاعة خالصة لابد للرسل أن ينقلوا إليهم شرعا من الله يلتزمون به، فإذا أمر ربهم أطاعوا، وإذا نهوا عن شيء لم يرتكبوا المنهي عنه، أي أطاعوا أيضاً، فالطاعة غاية في الجانبين: إتيان الأمر، واجتناب النهي، وهذه هي الطاعة أهم ما جاء به الرسل عليهم السلام، فكل الرسل أُوحي إليهم أن قولوا لعبادي: أن أعبدوا الله ما لكم إله غيره، فالعبادة هي الامتثال لشرع الله الذي أرسل به الرسل كلاً إلى قومه، وتشابهت رسائلهم في الجانب العقدي، إخلاص التوحيد لله والاعتراف بأنه لا إله لهم غيره، ولكن الشرائع اختلفت باختلاف الرسل وأزمانهم ولكن جوهرها العقدي واحد، فهم جميعاً مأمورون بالطاعة لله والإخلاص له في ذلك بحسب ما أمرهم الله به على لسان رسله.
وخير من يُعرِّف الناس بالجانبين: التوحيد (واعبدوا الله ما لكم من إله غيره) ثم الشريعة الطاعة، هم رسل الله الموحى إليهم بشرائعه، ولا أحد غيرهم قادر على ذلك، والعلماء ورثتهم فيه من لدن أصحابهم ومن تلقوا عنهم العلم وحتى تقوم الساعة، وما فسروه لورثتهم به، وليس كل أحد يدعي العلم بذلك عن جهل، وهو لم يتلق العلم عن أهله من الذين قال الله عنهم (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) فجعل أمر الاستنباط لجماعة مخصوصة أهلهم الله لذلك ولم يجعلها لعامة الناس، وسماهم أولى الأمر وخصهم بعلم الاستنباط وهم جزء لا يتجزأ ممن أورثهم الله العلم العلماء، ولكن الجاهلين لا يعلمون، والعلماء هم من حفظوا من علماء الدين ما أهلهم ليكونوا قادرين على استنباط الأحكام من نصوص الشرع وحدهم، والجاهل والأحمق لاشك معزول عن ذلك.