ليس من الجهاد في شيء أن يقتل الإنسان نفسه، وقد لا يصيب بقتله نفسه أحداً ممن أراد الانتقام منهم، فليس قتل النفس سلاحًا معتبرًا في الإسلام للجهاد مع المحاربين المسلمين، فكيف إذا كان حربًا على أهل الإسلام ومَنْ بينهم وبين المسلمين عهد مسالمة؟
حكم قتل الانسان نفسه محرم بكتاب الله حيث يقول الله عز وجل: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) وقال أيضًا: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)، وقد جاء في حديث الكبائر قوله صلى الله عليه وسلم: “اجتتنبوا السبع الموبقات وذكر منهن قتل النفس التي حرم الله، وسواء كان قاتلها آخر أم قتلها صاحبها ظلمًا وعدوانًا، وكل ما جاء في قتل النفس والتوعد بأعظم العقوبات عليه ينطبق أيضًا على المنتحر، الذي يزهق روحه مهما كان السبب.
في الحديث المتفق عليه قال أبو هريرة رضي الله عنه: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينًا فقال لرجل ممن يدعى بالإسلام: “هذا من اهل النار” فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالًا شديدًا فأصابته جراحه، فقيل: يا رسول الله الرجل الذي قلت له آنفًا أنه من أهل النار، فإنه قاتل اليوم قتالًا شديدًا وقد مات. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إلى النار)، فكاد بعض المسلمين أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت، ولكن به جرحًا شديدًا، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فقال: الله أكبر أشهد أني عبدالله ورسوله ثم أمر بلالًا فنادى في الناس: إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.
وفي الحديث المتفق عليه أيضًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدًا مخلدًا أبدًا، ومن تحسى سمًا فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا أبدًا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا.
وفي الحديث القدسي: “كان برجل جراح فقتل نفسه فقال الله: بدرني عبدي حرمت عليه الجنة”.
فالأدلة كلها متوافرة على أن من قتل نفسه قد ارتكب كبيرة يخلد بها في النار إلا أن يشاء الله فيخرجه منها ليدخله الجنة بأصل إيمانه، فالانتحار جريمة كبيرة سواء أكان قتل الإنسان نفسه لفقر انتابه أو مرض طال أمده أو حالة نفسية سيئة قادته إلى ذلك وهو عاقل لم يذهب عقله فهو قد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب.
وأشد من ذلك أن يحيط جسده بمتفجرات ليدخل في تجمعات الناس مسلمين كانوا أم غير مسلمين مسالمين لأهل الإسلام لم يقاتلوهم ولم يخرجوهم من ديارهم، فيصيب الرجال والنساء والأطفال فيزهق أرواحهم أو يؤدي بهم إلى جراح غليظة تجعلهم يعيشون بعد ذلك وهم مرضى قد فقدوا بعض أعضائهم أو أصيبوا بشلل تام أو ما شابه ذلك، فجريمته حينئذ مضاعفة، قتل نفسه فقتل بذلك غيره، وأصابه بما عطل حياته، وعقابه عند الله شديد ولا شك.
فليس من الجهاد في شيء أن يقتل الإنسان نفسه، وقد لا يصيب بقتله نفسه أحدًا أحيانًا ممن حقد عليهم وأراد الانتقام منهم، فليس قتل النفس سلاحًا معتبرًا في الإسلام للجهاد مع المحاربين للمسلمين، فكيف إذا كان حربًا على أهل الإسلام ومن بينهم وبين المسلمين عهد مسالمة أو كانوا في ديار الاسلام سفارة او في تجارة ممن أعطى المسلمون لهم الامان.
ومن أفتى للفلسطينيين بأن يقوموا بمثل هذا الفعل لأنه ظن أن فيه نكاية للعدو، فقد ثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن كثيرًا من إخواننا الفلسطينيين قد قتلوا أنفسهم ولم يتحقق لهم ما أرادوا من نكاية بالعدو، ولن ينكأ العدو إلا سلاح قوي مثل سلاحه تبارزه به فتنتصر عليه، وأظن أن الجميع قد ادركوا هذا، خاصة بعد انتشار هذه الظاهرة بين المنتسبين إلى الجماعات المتطرفة التي انتهجت العنف في بلاد المسلمين، وكان لهؤلاء المنتحرين عظيم الضرر على أمتهم لا على عدوهم.
فالانتحار على هذه الصورة جريمة مركبة لا يجب أن نؤيدها ايًا كان مرتكبها في حرب مع غير المسلمين او مع المسلمين ذاتهم، وان نحذر منها وان نعاقب فاعلها بأشد العقوبات إن نجا، وإن لم ينجُ فلا يصلى عليه تشهيرًا بفعله.
مع علمي أنه إذا لم يكن مقاتلًا للمسلمين وانتحر لظروف خاصة أن يصلى عليه ويدفن في مدافن المسلمين، بل ويدعو له أهله ومعارفه بأن يرحمه الله يوم القيامة.
أما هؤلاء الإرهابيون فلا يجب أن نرحمهم، فهم لن يرحمونا إذا انتصروا علينا وما تفعله هذه الجماعات الإرهابية في مصر وليبيا والعراق وأفغانستان وفي كل مكان من عالمنا العربي والإسلامي يدل على عظيم جرمهم واستفحال أمرهم ولابد من مواجهتهم مواجهة تستأصل شأفتهم من مجتمعات المسلمين، فهل نفعل؟
هو ما نرجو والله ولي التوفيق.