لعل هذه العقوبات المؤصل لها شرعًا تردع العابثين وتمنعهم من أعمالهم الرديئة فيمتنعون عنها.
كنا منذ زمن ليس باليسيرنحذر شباب وطننا من الانتماء إلى تيارات أو جماعات متطرفة تدعو للعنف وتنظر له وتروج له بين مراهقينا، حتى رأينا نتائج هذا ظاهرة جلية حينما وجدنا كل صراع ينشأ في أي بلد من العالم الإسلامي منشأه اختلاف سياسي أو طائفي إلا ووجدنا من يحرض من هؤلاء المنتمين إلى هذه التيارات والجماعات المتطرف المتكاثرة الشباب للذهاب إليها والاشتراك في هذا الصراع، الذين لا يعلمون عنه شيئًا سوى ما حشد لهم هذا المنظّر من الأوهام، ورأيناهم قتلى في كل صقع من عالمنا العربي والمسلم، يعودون الينا أحيانًا جثثًا وقد تترك جثثهم هناك في العراء يأكلها الطير والسبع، وقد يؤسرون ويسجنون السنوات الطوال في تلك الدول التي كان فيها الصراع أو يرحلون منها إلى دول أخرى بعيدة هي المنشأة لهذا الصراع لغايات دنيئة معروفة، ويسجنون هناك المدد المتطاولة دون محاكمة، ومن عاش منهم لا يعود إلا وقد غسلت دماغه وأدمن العنف فاحترفه في بلاده حتى يقبض عليه ويسجن، ثم يخرج من السجن ويعاود حرفته التي لم يعد يعرف غيرها، وتزايد هذا البلاء، وفقدت الأم وحيدها، وفقد الأب ابنه الذي ظن أنه سيكفله حين عجزه وكبر سنه، وكاد ألا يبقى بيت في هذه البلاد وإلا وله قصة مع هذا البلاء الذي يروّج له من انتموا إلى هذه التيارات والجماعات، ونادى العقلاء بأن يكون لهؤلاء عقوبات رادعة تمنعهم من التلاعب بعقول السذج من الناس وتكف أذاهم عن الآباء والأمهات وعن الوطن الذي أدمي قلبه من أفعالهم، ونوهت به الصحف، وكتب الكتاب مئات المقالات عن هذا، ونادى من العلماء من أحس بخطر هذا هؤلاء أن يكفوا عن عبثهم دون جدوى، فظنوا أن فعلهم في هذا الوطن الأغلى بين أوطان المسلمين لن يحرم وتكون له عقوبات رادعة تمنعهم من هذا العبث الدامي، حتى قرأنا المرسوم الملكي رقم أ/44 وتاريخ
3 /4 /1435هـ والذي اعتمد تأصيلًا شرعيًا لعقوبات رادعة لأمثال هؤلاء ولمن يستجيبون لهم فينطلقوا إلى أصقاع الأرض يحترفون القتل بادئًا مقدمته بما اقتضته مقاصد الشريعة في حفظ دينها، وأمنها، ووحدتها، وتآلفها، وبعدها عن الفرقة والتنازع استهداء بقول الله عز وجل (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا) وهو الأمر الذي لم تستجب له هذه التيارات والجماعات المتطرفة، حيث تعددت لتفرق الأمة شيعًا، ولتصنع العداوة والبغضاء بين جماعاتها ودولها، بل وبين أفرادها، حتى تنافروا وتباغضوا، واستشهد بقول الله عز وجل(وإن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) وهؤلاء أعرضوا عن سبيل الله وتتبعوا السبل ففرقوا الأمة، فكل منهم يتبع جماعة ويدين بالطاعة لمرشدها أو أميرها، الذي منحه بيعة ما أنزل الله بها من سلطان، بدعة ابتدعها هؤلاء فالبيعة للإمام لا لغيره، وتعددها محرم فإذا وقع قتل من أخذها مؤخرًا حتى لا يفرق صف المسلمين، لكن العلم بالدين شيء واتباع الهوى شيء آخر، وذكّر بقول سيدي رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -:( من فارق الجماعة شبرًا فارق الإسلام)، وبنى العقوبة تأسيسًا على قواعد الشرع، بوضع الضمانات اللازمة لحفظ كيان الدولة المستقر في المملكة العربية السعودية، بما يمثل نظامها العام الذي استتب به أمنها، ثم انطلاقًا من قاعدة شرعية في سد الذرائع المفضية إلى محرم، واعتمد على عدة مواد من نظام الحكم هي:(55،48،39،38،36،12،11)، والتي تنص على أن المجتمع يقوم على اعتصام أفراده بحبل الله، وعلى أن الوحدة الوطنية واجبة، وأن الدولة توفر الأمن لجميع مواطنيها ومن يقيم على أرضها، وأنه لا يحب تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام، وأن العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نص نظامي ولا عقاب إلا على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي، وأن المحاكم تطبق على القضايا المعروضة عليها الشريعة الإسلامية وفق الكتاب والسنة، وأن الملك يقوم بسياسة الأمة سياسية شرعية طبقًا لأحكام الإسلام ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة والسياسة العامة للدولة، وحماية البلاد والدفاع عنها، لهذا ولكل هذا وضع عقوبة رادعة بناء على المصالح المرسلة وعملًا بها منها أولًا: يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن 20 سنة كل من ارتكب أيًا من الأفعال الآتية:
1- المشاركة في الأعمال القتالية خارج المملكة بأي صورة كانت. 2- الانتماء إلى التيارات أو الجماعات الدينية أو الفكرية المتطرفة والمصنفة كمنظمات إرهابية داخليًا أو إقليميًا أو دوليًا، أو تأييدها أو تبني فكرها أو منهجها بأي صورة كانت، أو الإفصاح عن التعاطف معها أو تقديم دعم مادي أو معنوي لها، أو التحريض على شيء من ذلك أو الترويج له بالقول أو الكتابة، وإذا كان الفاعل لذلك كله من ضباط القوات المسلحة فتغلظ عليه العقوبة، ونص المرسوم على أن هذه العقوبة تسري على الأفعال المنصوص عليها في نظام جرائم الإرهاب وتمويله الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/16 وتاريخ 24 /2 /1435هـ وهذه خطوة حاسمة لدرء الأخطار عن شباب هذه البلاد، لينصرفوا إلى التعلم والعمل لرقي وطنهم بعيدًا عن أوهام المنتمين إلى جماعات وتيارات متطرفة لم تكسب البلاد منها إلا كل ما هو سيئ أدى إلى الافتراق بين أبنائها بسبب تحزب مقيت وجماعات لم يجن منها الناس إلا كل شر قتل ودماء تستباح وأعراض وأموال يعتدى عليها، والغريب في كل هذا أن ينسب الفاعلون والمخططون والمروجون هذا إلى الإسلام الدين الخالد الذي جاء ليحارب كل هذا العبث، ولعل اليوم هذه العقوبات المؤصل لها شرعًا تردع العابثين وتمنعهم من أعمالهم الرديئة، فيمتعنون عنها، ولا نريد لهم أن تنالهم هذه العقوبة التي إن فرضها شيء فهو ما كانوا يفعلون وما هم سادرون في غيهم به حتى اليوم، فهل يستمعون إلى النصيحة ويعودون من قريب هو ما نرجو والله ولي التوفيق.