مسلمو بورما الذين يتعرضون اليوم لإبادة حقيقية لا مثيل لها في العصر الحديث، يعانون أشد المعاناة، ونجد بيننا من يهوّن شأن ما يعانون، وهو ما قد يؤدي إلى فناء هذه الطائفة من المسلمين المسمَّاة (الروهينجا)، وهم سكان إقليم أركان الذي ظل مسلما لثلاثة قرون حكمه ملوك مسلمون مشهورون، ولما استقلَّت الهند عام 1948م، بدأت مشكلتهم مع مواطنيهم المجاورين لهم في بورما، والتي حكمها اليساريون البوذيون، وبدأ اضطهاد المسلمين فيها أبشع اضطهاد، وهو في الحقيقة ليس وليد اليوم بل يرجع إلى عهد ملك بوذي اسمه بانتوانغ (1550- 1589) استطاع الاستيلاء على الحكم في بورما، فكان له صور من الاضطهاد للمسلمين بشعة، ولم ينج المسلمون من الاضطهاد في هذه البقعة من العالم إلا عندما حكموها لقرون ثلاثة، تناوب فيها على حكمها ملوك، منهم عادلون، وللأسف اليوم في عهد الحريات الدينية المزعومة يقتل المسلمون ويشردون من ديارهم ويتعرضون لاضطهاد لا مثيل له في العالم، تحت سمع وبصر العالم، ولا ينقذهم أحد من هذه المظالم، بل لعل بعض الدول التي تزعم أنها كبرى تصمت على ذلك رعاية لمصالح موهومة، والأسوأ من هذا أن نسمع من بعض من يتحدثون بلساننا، ويُنسَبون إلى بلادنا، من يهون شأن من ينال مسلمي الروهينجا في بورما، مرة بادعاء أنهم لا يضطهدون لأنهم مسلمون، بل لأنهم عرق مختلف، وكأن من كان عرقه مختلف من المواطنين لا يهتم أحد لظلمه، وآخرون يدعون أن كل ما يُنشر ليس صحيحا، أو أنه لم يحدث، وأن ليس هناك اضطهاد لمسلمين في بورما، وتعجب لذلك فهؤلاء المسلمون قد أحس بمأساتهم حتى من تسببوا فيها وهم البريطانيون، ومن يقرأ صحفهم يعلم ذلك، أما هم فقد انسلخوا عن مجموع المسلمين الذين يتألمون لما نال إخوانهم من مظالم قاسية، ويتمنون لو كانوا يستطيعون أن يرفعوا الظلم عنهم ولما تأخروا لحظة، ولكن.. لم يبق لهم سوى الدعاء لهم وأن ينصرهم الله على عدوّهم، وهؤلاء المنسلخون عنا لا يرون أن حتى هذا التعاطف منا لإخواننا في عرفهم مقبول، بل لعله في عرفهم جريمة ترتكب في حقهم، ولا ندري لماذا هذا العداء لقوم ظلموا أشد الظلم، يقتلون وتحرق بيوتهم، وتهدر ممتلكاتهم، ويهجَّرون من ديارهم، ولا يحرك هذا في هؤلاء ساكنا، فهم لا يرون لهم حقا في حياة كريمة لهم في أوطانهم ولا حرية تدين لهم فيها، وكأنهم ينصرون ظالميهم من البوذيين، ويرونهم ألا حق بموطنهم – وهو أمر عجب لم نر له مثيلا في هذا العالم أن يناصر أحد من ظلموا إخوانه أهل دينه ويرفع عنهم كل إثم لما يفعلوه من الجرائم، فهل هو عداء للدين أيضا؟ لا أدري، فاللهم انصر الحق وأهله على كل ظالم أرادهم بسوء.