التجربة المؤلمة هي الأكثر عِبَرًا

تمر بنا في الحياة الكثير من التجارب، التي إذا كُنَّا نتعامل مع الحياة بوعي متأصِّل فينا، فإنا سنُدرك أنَّ أشد ثمار هذه التجارب عمقاً في نفوسنا، والتي ستظل معنا آماداً طويلة، هي تلك التجربة التي تألمنا أثناءها ألماً شديداً، ومن هذه التجارب التي آلمتنا، تلك الحوادث الإرهابية التي مرَّت ببلادنا، وقتلت ودمرت، وآلمنا ذلك ولاشك ألماً شديداً، فإنا بعدها عزمنا عزماً أكيداً على محاربة هذا الإرهاب، حتى لا يستطيع العبث في أي جزء من بلادنا، مهما كانت قوته وقوة من ورائه في الداخل أو الخارج، ورأينا بعد ذلك سنوات طويلة؛ لا يتجرَّأ فيها إرهابي على القدوم إلى بلادنا من أجل أن يشيع فيها رعباً أو خوفاً، وها نحن اليوم أقل بلدان العالم التي تقع فيها حوادث إرهابية، ولاشك أن تجربة اختفاء الأخ جمال خاشقجي -رحمه الله-، ثم التحقُّق من وفاته، وبدء التحقيق مع مَن يُظَن أنَّهم تسبَّبوا في وفاته، ثم ما بدأ به المُغرِضُون من حربٍ إعلامية شرسة، وإن خبت اليوم، إلا أنها لم تنتهِ كليًّا، والتي نعلم يقيناً أن فقد الأخ خاشقجي -يرحمه الله- ليس سبباً لتلك الحرب الإعلامية، ورغم قوّة صبرنا وتحمّلنا في مواجهة ما يُقَال عَنَّا ظُلماً، وبسوءِ أدب، وانعدام أخلاق، إلا أننا وبحمد الله -رغم ألمنا الشديد ولاشك في هذا- لم نُسيء إلى أحد، فنحنُ في هذه البلاد لم نتعوَّد أن نظلم الناس، ولا أن نُسيء إليهم، حتى ولو أحسسنا أنهم يكرهوننا، فإيماننا بقِيَم الإسلام يمنعنا أن نُماثل مَن نراهم ينحدرون في السلوك حتى يبلغون الدرك الأسفل من سوء الأخلاق، ولكننا اليوم وقد عرفنا بيقين مَن يكرهوننا، لا لأننا ظلمناهم، ولكن لأنَّ حقدهم علينا مبني على ما ليس لنا فيه يد، وهو أن تكون بلادنا أرضاً طيبة، ارتضاها ربنا -عز وجل- أن تكون مكاناً طاهراً ارتضاه لبيته الحرام، ولمسجد خير رسله، وخاتم أنبيائه سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن تكون بلادنا ذات ثروة عظيمة ترفعها في عالم الاقتصاد درجات، لتتمكَّن من خدمة بيته وزواره، وأن لها حُكَّاماً استطاعوا في زمن الاضطرابات العالمية التي مرَّت بالعالم، أن ينجوا ببلادنا من هذه الاضطرابات الخطرة، وأن تبقى عزيزة، وأن يبقى أهلها مرفوعو الرأس، وأن تُحفظ كرامتهم. وإن كان لنا جهد، فهو الحفاظ على ما منَّ الله به علينا، وأن يزرع ذلك حقداً لنا في صدور مرضى النفوس، فلا يد لنا فيه، وإنا لنُدرك أنهم لن يُغيِّروا شيئاً بحقدهم في حياتنا، ولو دفعوا كل أموالهم لأراذل الخلق، ليشنوا حرباً دعائية ضدنا، وليست هي المرة الأولى التي يُشن فيها علينا مثلها وتفشل، وعلينا اليوم، وهي تكاد أن تختفي بالكلية، أن نتذكَّر آلامنا، وأن نعدُّ العدّة لمواجهة مثلها، بصورةٍ أفضل، تجعلها تموت في مهدها، وما ذلك بعزيز علينا.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: