في مجتمعنا هذا نفاجأ بين الحين والآخر بمشروعات تطرح كالمساهمات العقارية لبيع الأراضي، ثم يدفع الناس من أموالهم أسهمًا ينتظرون عائدًا لها مجزيًا، فإذا بالمساهمة تخسر، فلا تعود إليهم أموالهم، أمّا الربح فقد ذهب إدراج الرياح، ثم نقرأ إعلانات لمخططات سكنية كبرى على شكل مساهمات، ثم يتضح أنها وهمية، ومن قبل سمعنا بشركات توظيف أموال كالأجهوري، لا تزال حتى اليوم لم تصفِّ أعمالها ولم تعد للمساهمين فيها ما دفعوا لها رجاء الربح، الذي لم يتحقق، رغم أن كل هذا يقع معلنًا عنه وتحت علم وبصر الجميع، واليوم تتعدد الإعلانات المغرية عبر الهاتف الجوال، وتصل إلى الناس عبر رسائل مدفوعة الأجر لشركات الاتصالات، كما تصل إليهم رسائل على البريد الإلكتروني، تطلب منهم أن يرسلوا إلى رقم معين رسالة فارغة لتصلهم معلومات متاحة أو مواعظ وأذكار، ورسائل أخرى تعرض عليهم سلعًا متنوعة، تصفها بما يغريهم بشرائها، ويكتشفون فيما بعد أنها ليست كما وصفوا لهم، وأخرى تعرض عليهم التدريب في مجالات مختلفة بعضها غريب لا يحتاج إليه عاقل، والأشد غرابة هم مَن يقومون بهذا التدريب، فأكثرهم غير مؤهل لما يدّعي أنه خبير في التدريب عليه، ولا يحمل مؤهلًا علميًا في مجاله، وأمّا هل يملك تصريحًا بما يقوم به من عمل؟ فهو الأمر الذي لا يدريه أحد، بل إننا لا نعلم هل يطلب منه قبل ممارسة هذا العمل الدليل على معرفته به؟ فالمدربون اليوم لا نحصيهم عددًا، واختصاصاتهم التي يعلنون عنها من الكثرة بمكان لا نستطيع متابعتها، فهناك مدربون على الأفكار، وآخرون على معاملة الزوجة والولد، وآخرون على كتابة مقال، وكثرة يدّعون التدريب على حرف ومهن قد نعلم يقينًا أنهم في مجالها فاشلون، ونتساءل هل هذا التدريب مسموح به لكل أحد بلا قواعد نظامية، وليس له جهة رسمية تنظمه؟ فالمدربون اليوم يتوافدون على وطننا من كل حدب وصوب، رجالًا ونساءً، يقدمون خدماتهم المزعومة للناس، وتزدحم بهم صالات الفنادق، ولا نرى أحدًا يسألهم عمّا يفعلون، فحينما يغيب التنظيم عن أي مجال كهذا المجال (التدريب) تدب فيه الفوضى، ويدّعيه كل أحد، والتدريب يجب أن تحدد له مجالات ينتفع به الناس فيها، وألا يسمح لكل مَن أراد الادّعاء بأنه مدرب أن يخترع ما يدرب عليه الناس، وأن يكون مؤهلًا علميًا لما يدرب عليه، وله فيه خبرة وافرة، حتى لا نفاجأ بهذا الازدحام التدريبي، بمن يدرب على أمور غير مشروعة، وحتى لا يخدع الناس وتستلب أموالهم عبر إيهامهم بأنهم يدربون على أعمال هي في الحقيقة أوهام، فقد مضى وقت كافٍ لاكتشاف حقيقة ما يقدم هؤلاء الذين ينعتون أنفسهم بالمدربين للناس، لو كانت هناك جهة رسمية تتابع ما يجري على أرض هذا الوطن وتقيّم كل حدث يقع فيه، ونحن ولا شك في أمسّ الحاجة إلى مؤسسات تدريب يقدم لأبنائنا المتخرجين في كلياتهم ومعاهدهم، على أعمال مطلوبة ومتوفرة في الوطن ليعملوا فيها، وينالوا أجورًا على عملهم توفر لهم حياة كريمة، والمدربون في هذه المؤسسات قد خضعوا لتوصيف دقيق من حيث المؤهلات والخبرة والقدرة على أن ينهضوا بالشباب الى اتقان لعمل تخصصوا فيه، لا أن يفتح الباب على مصراعيه، لكل من رغب في أن يحصل مالًا أن يعلن عن نفسه بأنه مدرب، ويختار ما يدرب عليه، سواء أكان له حقيقة أم هو مجرد وهم، وما دام كل احد يستطيع في هذا الوطن أن يعلن مشروعه الخاص، يموّله ممّا في جيوب الناس البسطاء بإغرائهم بأوهام عمّا قليل تتكشف عن لا شيء، فتذهب أموالهم ولا تبقى لهم سوى الحسرة، فإن النظام حينئذ يغيب، وتدب الفوضى، فإلى متى تستمر هذه الأوضاع، وقد شبع الناس ألوانًا من الخديعة باسم المشروعات الموهومة، حتى في مجال الأسهم لم يسلموا من ذلك، وضاعت أموال عظيمة من بسطاء الناس عبر أفكار وهمية اقتنعوا بها، فإذا ذهبت أموالهم قال لهم مَن أوهموهم لم نزد على أن أغريناكم فاغتررتم، ولا عزاء للمغفلين، فهل ننظم هذه المجالات، ونضبطها بقوانين صارمة؟ هو ما أرجو والله ولي التوفيق.
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …