خُلق الإنسان وفي طبعه أن يحتاج إلى ما يُرفّه به عن نفسه، فلو استمرت حياته جادة -عملًا وإنتاجًا- لملّ ذلك وتقاعس عنه بعض الوقت، وقد يغلبه الكلال حتى ينصرف عن العمل إجهادًا، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه: عن حنظلة الأسدي قال: لقيني أبوبكر -رضي الله عنه- فقال: كيف أنت يا حنظلة، قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُذكِّرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرًا، قال أبوبكر -رضي الله عنه-: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبوبكر حتى دخلنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قلت : نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما ذاك؟» قلت: يا رسول الله نكون عندك فتذكرنا بالنار والجنة، كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم»، ولكن يا حنظلة «ساعة وساعة، ساعة وساعة، ساعة وساعة»ـ، وقال أحد شراح هذا الحديث: (فلا يكون الرجل منافقًا في وقت على الحضور، وفي وقت على الفتور، ففي ساعة الحضور تؤدون حقوق ربكم، وفي ساعة الفتور تقضون حظوظ أنفسكم)، فالترويح عن النفس ساعة بعد ساعة ضرورة حتمية لتجديد القوى، وليكون الحضور بعدها أشد وهجًا وأفضل عملًا، فسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضرب لنا المثل بنفسه، فمزح وقال حقًا، وضُرِبَ بالدف عنده، وقالت أمنا عائشة رضي الله عنها: (والله لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم- يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف)، واليوم ما إن أُعلن عن إنشاء هيئة للترفيه، ولم يعلن بعد ما أوجه هذا الترفيه الذي ستشرف عليه، وجدنا فئة من المبادرين للاعتراض كعادتهم حتى على ما لم يعرفوا بعد، وديدنهم الاعتراض دومًا على كل خطوة في مصلحة البلاد والعباد جهلًا منهم، ولأن لهم منهجًا مغلوطًا لا يتخلون عنه، وسيمضي هذا الوطن نحو المستقبل، تحت قيادته التي تسعى لرقيه، حتى وإن اعترض مثل هؤلاء، فمن يعترض على ما لم يعرف أصلاً لا قيمة لاعتراضه، مهما علا صوته، ذلك أن الأوطان لا تبنى إلا في ظل الحقائق لا الأوهام، فهلاَّ كفَّ هؤلاء عن عبثهم، هو ما نرجو، والله ولي التوفيق.
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …