منذُ بدأ الحديث عن الترفيه، لم نرَ حديثًا عن شيءٍ منه سوى حفلات الغناء والسينما، وكأنَّ المتحدِّثين عنه لا يعرفون من أنواعه شيئًا سوى ما ذُكر، بل إنَّهم يحصرونه عمدًا فيها؛ لأنَّها هي ما تستهويهم من ألوان الترفيه، وهو حتمًا لا ينحصر -ولا شك- في حفلات غناء يحضرها الناس، وغالبًا أجر حضورها مرتفع، وكأنَّ الترفيه إنَّما هو لفئةٍ من الناس قادرة على دفع أثمان للترفيه مرتفعة، يدفعون لكلِّ مناسبة ترفيهيَّة آلافًا من الريالات، قد لا تشمل دخولهم إلاَّ عن القليل منها، أمَّا أنْ يُتاح لهم ارتياد حدائق عامَّة منسَّقة بالزهور، وبها مطاعم ومقاهٍ تقدِّم لهم شيئًا من الطعام والشراب، وتُراقَب أسعارها، وأن يزوروا متاحف متنوِّعة منتشرة في أرجاء المدن، يرون فيها تاريخ وطنهم، وشتَّى مقتنياته عبر العصور، وأثمان تذاكرها زهيدة، يقدر الجميع على دفعها، أو نوادٍ رياضية يجدون فيها من الرياضة ألوانًا يُمارسونها، وثمن العضويَّة فيها متاح للجميع، أو اجتماعيَّة يجدون فيها من الترفيه ألوانًا، مثل الألعاب الرياضيَّة أيضًا، أو تلك الألعاب التي تعتمد على الذهن، كالشطرنج أو الضومنة، وغيرهما، ويجدون فيها فرصة لتغيير جو منازلهم، ويتناولون فيها طعامًا وشرابًا أثناء وجودهم فيها في الأمسيات الجميلة، أو في العطل في نهاية الأسبوع، وصالات للرسم يرتادها الناس ليطلعوا على ألوان من الفن التشكيلي، بل إنَّ ألوانًا من المحاضرات في سائر العلوم والفنون تجري في النوادي الأدبيَّة والاجتماعيَّة، وفي صالات المكتبات العامَّة، ويروّج لها هي لون من الترفيه عالي المردود، وإقامة المسابقات الرياضيَّة بين الأفراد والجماعات، كالجري والسباحة وركوب الدراجات، وكذلك المسابقات الثقافيَّة والشعريَّة هي لون من الترفيه ستستقطب أعدادًا كبيرة من الناس، كما أن الفنون الشعبيَّة تُقام في النوادي، بل وفي الساحات، والتي كان يقيمها الناس في الساحات العامَّة أيام الأعياد من ألوان الترفيه المفيدة، كل هذا من الترفيه، وأكثره من الترفيه البريء والمتاح، فلا يُحصَر الترفيه فقط في حفلات الغناء، فالترفيه مفهوم واسع يدخل تحته الكثير من الأنشطة الإنسانيَّة التي تُمارس في أوقات الفراغ، وحتمًا لا يكون مقصورًا على ما تتجه إليه الشبهة من غناءٍ أو حركاتٍ راقصة؛ ممَّا قد يُوجّه إليها الانتقاد، كالغناء بشِعرٍ ساقط المعنى واللفظ، أو حركاتِ رقصٍ مشبوهة، فللترفيه ألوانٌ كثيرةٌ، منه ما ذكرت، ومنه ما قد يكون غاب عني، ومنه ما يُناسب الكبار، وآخر يناسب صغار النشء، والمراهقين، مما يشغلون به أوقات فراغهم، ويُشبعون به هواياتهم، ويستعيدون عن طريقه نشاطهم، وحياة البشر لابدَّ وأن تشتمل على بعضه، فهي من المستحيل أن تستمر جادة دائمًا، كما أنها لن تكون ترفيهًا دائمًا، فلابدَّ لها من الترويح ساعة وساعة حتَّى لا تُمل، وبهذا يُتاح للناس من الترفيه ما يشغلون به أوقات الفراغ، ويُغيِّرون به نمط حياتهم، فيُبعدون عنها رتابتها، ويفيدون أجسادهم وأرواحهم بعيدًا عن شبهات الحرام، أو السلوك الرديء، الذي قد يقود إلى المهالك، فلماذا نحصره في لونٍ واحدٍ، كأنَّنا لا نعرف للترفيه لونًا غيره؟ فانظروا حولكم ستجدوا عبر دول العالم الكثير من أصناف الترفيه غير ما تتردد الكتابة عنه في العديد من صحفنا، وهو لا شك مفيد ورائع، به تزدهي الحياة وتتنوع نشاطاتها، فهل نحن فاعلون؟! هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.