إذا كانت البدعة هي ما استحدث وليس له أصل في الشرع، فإن التصنيف للمسلمين بانتماءات كثيرة بعضها قد يكون له عند بعضهم قبول، وفي الغالب موهوم يقصد به الإساءة إلى من صُنّف، والحكم عليهم لشيء يصمهم بالنقص دينيًا أو سياسيًا أو اجتماعيًا فهو بدعة العصر، وللأسف فإنه تلجأ إليه كل الفئات الدينية أو السياسية أو الاجتماعية، والقصد انتقاص الآخر المخالف في الرأي أو حتى الخصم في المجالات السياسية أو الاجتماعية، وعلينا ألا نبحث عن الأمثلة فهي تتردد عبر كل الأدبيات، ستجدها في الخطب والكتابة والبرامج الحوارية عبر وسائل الإعلام، فأنت ترى المدِّعي للتدين يوزع الأوصاف على الخلق كلهم المختلف معه فعلًا، أو من يتوهم أنه مختلف عنه فهو عاصٍ يأتي الموبقات، وهو لم يره أحيانًا ولا عاشره ولا يعرف عنه شيئًا، سوى تصور مريض أنه مختلف عنه، فتسمع من مثل هذا أوصاف علماني وليبرالي ومتغرب، ثم فاسق منافق، وفي مجال الاختلاف في مجال العلم الشرعي مبتدع بدعة قد تخرج من الملة أو قد لا تخرج حسب شدة خصومته مع من اختلف معه، فإن بلغت الخصومة أقصى مداها ادعى أن بدعته تخرجه من الملة، لهذا وجِّهت التهم بالشرك والكفر والإلحاد، وسمعناها تتردد في فضاء الخصومات، ولعل لمثل هذا وجودًا في عصورنا الماضية لكنه حتمًا ليس بهذه الصورة المنتشرة اليوم، والذي تحس أن في مجتمعنا أناسًا تخصصوا في هذا، وأخذوا ينظِّرون له بين أتباع لهم ينشرونهم في المجتمع لمتابعة المخالفين بهذه التصنيفات، ويؤسسون لها ثقافة ينشرونها، وستجد لهذا أمثلة صارخة في التعليقات على المقالات الصحفية في مواقع الصحف الإلكترونية، وستراها في تعليق يبلغ حد الفحش في وسائل التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت وهذا يعود إلى ثقافة الردود في المجال العلمي الديني، وكانت في البدء لطلب الحق والوصول إليه عبر حوار مكتوب يتسم بالآداب التي شرعها الدين لذلك، ثم أصبحت في العصور المتأخرة انتصارًا للمذاهب والفرق، ووجدنا كتب ردود لا تحمل للمخالف إلا تهم الابتداع والفسق ثم الشرك أو الكفر، وأصبحت هذه الردود الشغل الشاغل للمتعصبين لمذاهبهم وطوائفهم، وفي أحيان كثيرة انضم للخاصة العامة وتحول الأمر إلى تصادم انتهى بعنف سالت فيه الدماء، وهكذا أصبحت الصورة في الفضاء الديني.
أما في المجال السياسي فالمختلفون السياسيون المنتمون لأحزاب متعددة في بلدانهم أشد تصنيفًا لبعضهم، وإن كان أقل درجة، فالتصنيف إنما يستهدف أوصافًا أخرى، فتُهم الاستبداد، وعدم الالتزام بالديمقراطية، وشيء من نعوتٍ بالجهل وعدم القدرة على الفهم، وإرادة السيطرة على الآخرين وما شابه هذا، وقد يبلغ الأمر حد اتهام الخصم بالمؤامرة والخيانة واستهداف الوحدة الوطنية.. وهكذا تتقاذف الأحزاب التهم، ثم الأفراد ذلك وكل يحشد أنصاره من أجل أن يهزم الخصم، وتعلو الخصومات السياسية عندما تتوالى الأحداث خاصة في الدول ذات الأحزاب المتعددة، أما الدول التي لا تعرف الحراك السياسي المعلن فالخصومات تنتقل إلى ساحة الأفراد، والذين يمثلون تيارات، وقد تنتقل خصوماتهم إلى وسائل خارج السيطرة الإعلامية.
وفي المحيط الاجتماعي تظهر خصومات تؤدي إلى تصنيفات مؤذية، مجالها العصبية القبلية ولها في وطننا وجود، فمن لم ينتسب إلى قبيلة يصنف بأوصاف متعددة تتردد على الألسنة، قد يكون ذكرها يلحق أذى ببعض أبناء الوطن الأحرار تدّعي ألا نسب له أو أنه بقية الوافدين، بل قد يبلغ بالزعم أنه غير سعودي، وهذا اللون من التصنيف يلبس ثوب العنصرية، ويجب مقاومته بشدة، كذا الانتماء إلى الأقاليم والتفاخر بذلك مما ينتج عنه بعض التصنيفات غير المرغوبة، التي تتهم بعض الأقاليم بأشياء توحي بانتقاص أهلها، وكم قد سمعنا من هذه التصنيفات ما تنبو عنه الأسماع، وترى أن هذا خطر جدًا على وحدتنا الوطنية، التي نتفق جميعًا على حمايتها، ومواجهة كل من يحاول أن يمسها بسوء أو يحاول إضعاف اللُّحمة الوطنية بين سائر أقاليم بلادنا، ولاشك أن التصنيف خطره على مجتمعنا عظيم، لذا فنحن جميعًا ضده بدءًا من قيادة الوطن، فقد حذر منه خادم الحرمين الشريفين، ومفكرونا وعلماؤنا كذلك وكثير من أبناء شعبنا يكرهونه ويقاومونه، ويجب أن تتوحد الجهود للتوعية بخطره على حياتنا وأثره في نقلنا من أبناء شعب محبين بعضهم متكاتفين من أجل حل مشكلاتهم إلى أناس يعادي بعضهم بعضًا، كل فئة تكره الأخرى، وقد يقودنا ذلك إلى عنف متبادل يأتي على الأخضر واليابس في الوطن، ولن يكون فيه منتصر أبدًا فهل ندرك هذا هو ما أرجوه والله ولي التوفيق.
الوسوماجتماعي الاساءة الالحاد البدعة الكفر تنصنيف تواصل دينيا فاسق منافق
شاهد أيضاً
العالم الأول الذي افترى على الأمم!!
عشنا زمناً ونحن نتحدث عن السياسة والمتقدمين في ممارستها، حتى نعتنا دولاً بأنها العالم الأول، …