كل نظام يصدر في أي مكان في العالم لم يُعمل به من قبل فيه، التعجُّل في الحديث عن نتائج التطبيق، فيه تسرُّع غير مطلوب، خاصة إذا كان هذا النظام له أمثلة كثيرة تعم بلدان لا حصر لها في العالم، وكل محاولة للتعجُّل في الحكم عليه بأنه فشل، يأخذ شكل العاطفي ولاشك لمن لم يتعوّدوه، وسبق لهم الحكم عليه بأن تطبيقه في البلاد نتائجه خطرة، حتى ولو طبّقه العالم أجمع، ولم يحدث أن نتج عنه من الأضرار ما تصوّرها المناهضون له، الكارهون لتطبيقه، فلم يدفعهم لذلك سوى أنهم قد حكموا عليه مسبقا قبل تطبيقه في بلادهم، وكأن العالم كله نموذج واحد هم ممثلوه، وكم قضية من هذا اللون مرت بها بلادنا، ونحن من طالت بهم الأعمار في هذا الوطن يتذكرون الكثير، من أمثلتها: تعليم الفتيات وما قيل عن مفاسده، عملها خارج منزلها، ونتائجه التي تصوّروها فادحة الخطر، وعملها في بعض المجالات وما تصوّروا له من نتائج، وجاء التطبيق ليحسم القضايا، وليُؤكِّد أن كل ما قيل أكثره توهُّم لا غير، أما الأخطاء فواردة في جميع الأعمال أياً كان نوعها، مثلها مثل الحكم أن خصوصية جسد المرأة ورقّتها قد تؤدي في مثل هذه الحالة ما حُكِمَ له أنه من الأسباب المعتمدة للحُكم أن عملها في جُل الأعمال التي قامت بها الرجال قبلها، كلها مفاسد.. وأي مفاسد هي؟! ولكن هذا كله من أوهام، الطرق عليها عقوداً جعل لها -دون قيد ولا شرط- خطورتها البالغة غير المتصوّرة لا عقلا ولا شرعاً، كالذي حكم على أن قيادة المرأة للسيارة له خطورة بالغة على قناة فالوب، تلك التي لها مهمة خاصة في عملية الإنجاب، مما يحرم المرأة من الإنجاب مستقبلاً، وذاك أن في الفقه قاعدة لسد الذرائع، التي تعني الأسباب المؤدية لإباحة الفعل أو تحريمه، حينما يحكم على فعل معين بأنه مؤدٍ حتماً إلى فعل محرم، أي منع الإنجاب، الوظيفة المهمة للمرأة، مما لم يَقُل به أحد من الأطباء أصلا، بل لم تقع بسببه حادثة معينة حكم بها العقلاء!! وهذا يؤسفنا أن نقول: إن له نظائر في مثل هذا الأمر كثيرة، وعندما هوجمت الفكرة اضطر صاحبها -لا لترك الإيمان بها- وإنما ترك ترديدها، أملاً أن يقتنع الناس بها لثقتهم بما يقول، وإن كان من أشد الأخطاء البشرية المتعمدة، وهكذا بإلصاق كل التهم الأخلاقية بمن رغبت في قيادتها، مما لا سبيل لإثباته لا بالعقل ولا بالشرع، ولا يمكن أن يثبت مستقبلاً لتنافره مع الاثنين معاً، ورغم أن ما سيق من مبررات لمنع المرأة من قيادة المركبات كله أوهام، أنه لا يزال يردده البعض وهم أساتذة في الجامعات، مما يعني أن لدى البعض منا إصرارًا على الأخطاء وإن فدحت، وعدم الرجوع إلى الخلق وإن كان أظهر، وهو أمر من المفاسد خطير على مجتمع يدين بالإسلام، أعدل الأديان، وأقربها لمنطق العقل والاعتدال، والكف اليوم عن الجدال في هذا الشأن حكمة مبتغاة.. ولن أقول من طرف واحد، بل من الطرفين، فكفهما جميعاً يؤسس لما سيحدث مستقبلاً من مثل هذا الذي يحدث فيه الكثير من الجدل والمراء، مما أساء إلى مجتمعنا، وأظهر كثيراً من المتناقضات فيه، وخدمتنا له أن نكف عنه مستقبلاً، وأن نتعوّد التريث في كل حكم نصدره على مستجدات في مجتمعنا بالحِل أو الحرمة تعجلاً دون دراسة واعية شرعية وعقلية، تدل على أننا نُقدِّم الحق على الباطل، مهما كانت المغريات للحكم له.. أعني للباطل، لمجرد هوى نفوس مضل والعياذ بالله، إن اتباع الحق قومي أولى بالاتباع.. وإن رأى بعضنا وللأسف أن في اتباعه مهانة لهم والعياذ بالله، حكّموا الشرع في كل ما يعرض لكم، ولا تهملوا العقل، فكلاهما يعضد بعضه بعضاً.. فهل نحن فاعلون؟!.. إنها التجربة الواعية فجرّبوها، تنزعوا الفتيل من كثير من قضايا قد تؤصِّل للخلاف في مجتمعنا، فهل أنتم فاعلون؟! هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.