الصحافة في عصرنا هذا لها أهمية كبيرة، فهي كما وصفت السلطة الرابعة، لها من قوة التأثير ما يدركه الجميع، وهي أداة رقابية مهمّة إذا اعتمدت على المعلومات الموثوق بها، ومعها وسائل الإعلام الأخرى، التي أصبحت منافسة لها، أو تتفوّق عليها، من الإعلام المرئي والمقروء، والإعلام المسموع، وكذا الوسيلة الجديدة ذات التأثير الكبير، وهي شبكة الإنترنت، وما اختصّت به من وسائل التواصل الاجتماعي، إلاّ أن الصحافة تبقى وسيلة هامّة لنشر المعلومات، وأداة للرقابة، ولكشف كل ما يجري على الأرض في المجتمع الذي تناقش قضاياه، والتي يهمّها أن توعّي أفراده، لا أن تشتّت أذهانهم، خاصة عند وقوع الحوادث الهامّة، فما جرى هذا العام في موسم الحج يعطينا صورة لأثر الإعلام -بصفة عامة، والصحافة بصفة خاصة- السلبي في كثير من الأحيان، إذا كان يتعجّل فيما ينشر عن الحوادث دون أن تكون لديه معلومات دقيقة وموثوق بها من مصادر لها مصداقية، فلمّا وقع حادث التدافع المأساوي في منى، فتدافعت وسائل الإعلام تنشر على الناس الكثير ممّا يُقال عن أسبابه، والصحافة في القلب منها دون أن يكون عندها معلومات مؤكدة من مصادر موثوقة، وتنوّعت الأسباب وتناثرت الاتّهامات في كل اتجاه، وشاركت بعض صحفنا المحلية وكُتّابها في هذا المهرجان الباحث عن الأسباب المقيمة للحدث، ودون أن يكون لدى الكثير منها أي معلومات يمكن الاعتماد عليها في هذا المجال، ورغم أن الحكومة قد شكّلت لجنة لبحث أسباب الحادث تحقق فيه، وإذا وصلت إلى نتائج محققة تعهدت بنشرها بكل الشفافية، إلاّ أن الإعلام والصحف لا تزال تخوض في الأسباب، وترتب عليها تهمًا توجّهها ذات اليمين وذات الشمال، وكان يمكن كما هو معلوم في كثير من دول العالم، أنه إذا وقع حادث، وتولّت جهات التحقيق فيها مسؤولياتها أن يمنع النشر حتى لا تتكاثر الاتّهامات دون بيّنات أو معلومات أكيدة، وحتى ينتهي التحقيق، وتعلن نتائجه، وهذا هو الأسلم، لو أردنا أن نكف المتعجّلين في البحث عن الأسباب والذين يرتبون عليها اتّهامات سواء لبعض إداراتنا الحكومية العاملة في الحج، أو لدول بيننا وبينها خلاف سياسي، أو حتى لجنسيات معينة من جنسيات حجاج البيت الحرام، والذين نكن لسائرهم من اتفقنا معهم، أو اختلفنا المحبة والاحترام، وإنما نعمل لراحتهم في كل ما نوفره لحجهم من الغالي والنفيس، وكلنا رضا بما نفعل، ذلك أن قدرنا أن نكون أهل هذا الوطن الذي شمل أهم مقدسات إخواننا المسلمين، ونحن نعلن للناس أن خدمة الحجيج شرف لنا، ونحن صادقون في ذلك، تواقون إليه، ننظر إلى كل إخواننا بمنظار واحد، نراهم مثلنا ونقدم لهم من الخدمات ما لا نقدمه لأنفسنا، ويجب ألا نهتم كثيرًا لأصوات تتعالى اليوم بذم وطننا وأهله ممّن اعتادوا دومًا الفرح بما يقع من مآسٍ لإخوانهم المسلمين؛ لمجرد اختلافهم الطائفي أو المذهبي معنا، فالعالم من حولنا يدرك مزايدة المزايدين والمسيّسين حتى للمصائب، فلا قيمة لما يقولون أو ينشرون، وهم قد اعتادوا هذا منذ زمن طويل، ولم ولن يؤثر في مسيرتنا نحو خدمة إخواننا. وعلينا ألا ننسى مَن وقفوا بجانبنا من إخواننا، وهم الأكثرون من دولنا العربية والإسلامية، وردّوا على هؤلاء، فهم الأوفياء المخلصون، الذين يستحقون منا الشكر والوفاء والثناء، ونصيحتنا للمتعجّلين أن يتريثوا حتى تظهر نتائج التحقيق الذي يجري الآن، حتى لا يقعوا في الأخطاء دون أن يشعروا، فهل يقبلون النصيحة؟ هو ما نرجو، والله ولي التوفيق.