هذه الجماعات تكشفت غاياتها للناس فلم يعودوا يصغون لها وهو ما نرجو أن يثبتوا عليه
إن التمسك بالدين الصحيح بأحكامه وآدابه حتماً لا يسمى تعصباً, ذلك أنه في حقيقة الأمر طاعة لله, بمقتضى الإيمان بالله ورسوله – صلى الله عليه وآله وسلم- وكتابه «القرآن الكريم», أما الأفكار البشرية ومنها فهم بعض المعتنقين لهذا الدين لنصوصه, وتطبيقهم لأحكامه فأمر قد يصيبون فيه وقد يخطئون, وليس لأحد منهم أن يفرض فهمه ومحاولة تطبيقه للأحكام بصورة محددة يراها على الآخرين, فأفكاره بشرية لم يوحَ إليه بها, ولذا تجد أن الخلاف يتسع بين هذه الأفكار من فرد إلى آخر, ومن جماعة إلى أخرى, وتاريخنا الإسلامي يزخر بمثل هذه الأفكار التي أنتجتها فرق ومذاهب لم يجتمع المسلمون عليها, لأنه لا نص في هذا الدين الحنيف يلزم بها, ومجموعات هذه الأفكار ما يطلق عليه في عصرنا «الأيدلوجيا» وهي أحياناً يستعيض بها أصحابها عن الدين, وهي التي يتعصب الناس لها وضدها, وكل الفرق التي ظهرت وفارقت السواد الأعظم للمسلمين, وجماعتهم التي أقامت الدين وتمسكت به دون جنوح لتحلل من أحكامه بفهم خاطئ للنصوص أو تطبيق منحرف أو غلو فيه وتشدد يحرف صاحبه عن اعتدال ووسطية جماعة المسلمين كل هذه الفرق اشتهرت بالتعصب لأفكارها, حتى بلغت حد تكفير ما عداها أو حتى الخروج على جماعة المسلمين وأئمتهم, فقاتلتهم ظناً منها أنها بهذا القتال ترغمهم على أن يوافقوها على أفكارها أو أيدلوجيتها وما استطاعت فرقة من هذه الفرق أن تفرض ما تعتقد على السواد الأعظم من المسلمين وجماعتهم على مر الزمان, بل تساقطت هذه الفرق وجماعاتها حيناً بعد حين, واندثر بعضها ولم يبق له ذكر إلا في صحائف التاريخ, ومثل هذا ما يحدث في زماننا, فديننا الحنيف «الإسلام» ليس في أصوله ما يقبل التحزب لأفكار تنتج عن فهم له يختلف عن فهم سائر الأمة, ويتعدد به ألوان من الأفكار ينحاز إليها أناس يعارضون آخرين, فإذا هم أحزاب وجماعات كل فرح بما لديه, ولا يرى غيره يضاهيه أو يجمعه به جامع, وهكذا اليوم وجدنا جماعات متعددة أصبح لها مسميات مختلفة, تتناحر وتتفرق ولا تجتمع, فمثلاً عندما ظهرت هذه الجماعة المسماة «الإخوان المسلمين» والتي كانت انشقاقاً عن سواد الأمة وجماعتها, واتخذت هذا الاسم الذي هو في الأصل لجماعة المسلمين كافة فالأخوة بين المسلمين فرض (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون), ونص هذه الآية تجعل أخوة المسلمين فرضا, فقد جاءت بأسلوب حصر كأن الله يقول الأخوة مقصورة على المؤمنين المسلمين, ولهذا لا يمكن لأحد أن يحصرها في جماعة أو فرقة من المسلمين, ولعل هذا هو ما جعل البعض يقسم المسلمين إلى إسلاميين وغير إسلاميين بحكم هوى يفرق ولا يجمع, وترك الاسم الذي اختاره الله لمن اعتنقوا هذا الدين حيث يقول عز وجل: (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول عليكم شهيداً.. الآية), وخرج من تحت عباءة هذه الجماعة جماعات أخرى فهذه جماعة تكفير وهجرة, وتلك جماعة إسلامية, وتلك سلفية جهادية, وأخذت الجماعات تنقسم كل واحدة إلى جماعات أخرى, وتنافرت وتقاتلت أحياناً وشوهوا المفاهيم فحتى السلفية التي تعني لسائر المسلمين الاقتداء بسلف الأمة الصالحين من صحابة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتابعيهم, فأصبحت سلفيات متعددة, في كثير من الأحيان تنتسب إلى أفراد خرجوا عن جماعتهم الأولى واختطوا منهجاً آخر والتزموا أفكارا أخرى, حتى كاد أن يكون لكل منهم جماعة, ولما تفتتوا هذا التفتت الذي لا يمكن أن ينسب إلى الدين أبداً, بدأوا يبحثون عن مسمى عله يجمعهم فقالوا: هذا تيار إسلامي ليعودوا إلى تقسيم جديد, فيجعلون المسلمين تيارين أحدهما ما تجتمع جماعاتهم المنحرفة عن الدين فأسموه التيار الإسلامي, وجمعوا سائر الأمة في تيار مناهض لتيارهم وكما تفتتوا إلى جماعات وتجزأت جماعاتهم إلى فرق متناحرة أرادوا أن تكون سائر الأمة مثلهم فاخترعوا التصنيف – يقوِّلون الناس ما لم يقولوه وينسبونهم إلى كفر وإلحاد وانحلال ونفاق, وتداولوا مصطلحات يلصقونها بالناس من علمانية وليبرالية وقومية وشيوعية, وليس لها على أرض الواقع وجود, ولكن هذه الجماعات تكشفت غاياتها للناس فلم يعودوا يصغون لها وهو ما نرجو أن يثبتوا عليه والله الموفق.