منحت الفرصة أن أكون تلميذاً لأستاذي الجليل عبدالله أحمد عبدالجبار المفكر والأديب والناقد الرائد, وأعتبرني صديقاً له تطيباً لنفسي, فعشت معه ما يقارب عقد من قبل وفاته, لم يمر أسبوع لم أره وأجالسه, أصغي إليه, وأستثير ذاكرته بالأسئلة لأحظى منه بالدرس بعد الدرس, وكنا جمعاً من الأحبة نسهر معه مساء الثلاثاء من كل أسبوع أولاً, ثم مساء السبت, نأنس به ويأنس بنا, وهو رحمه الله من النبل بمكان, لا يضاهيه فيه أحد, علاقته بأخوانه أرقى علاقة انسانية يستمتع بها الاخوة الأصدقاء, ومنذ عرفته وأنا اقرأ له منذ الشباب, وأنا أتمنى لو أعيد طبع مؤلفاته وتراثه النقدي والأدبي, وبعض فكره الذي سما به بين الرواد خاصة وهو بما مرّ بحياته من صعوبات انقطع عن الكتابة زمناً طويلاً, وخشينا ألا يتعرف عليه شباب الوطن, ولكن أستاذنا لم يكن يملك أن يعيد طبع مؤلفاته, وليس لنا من القدرة المالية ما نعيد به طبعها, وكان من تلاميذ استاذنا معالي الشيخ أحمد زكي يماني وكان من المترددين على مجلسه ما دام داخل المملكة, ويحضر إليه حتى في غير مواعيد مجلسه, ورأيت من المحبة والمودة بينهما ما تتمنى أن يكون بينك وبين من تحبهم من أصدقائك, رأيتهما كل منهما يثني على صاحبه صادقاً, فقرر معاليه أن يعيد طبع مؤلفات أستاذه كلها في مجموعة كاملة, فأشار عليه أخونا الكبير محمد سعيد طيب أن أقوم بهذه المهمة, ففاتحني في الأمر وقبلت لأحقق أمنية غالية عليَّ, أن تصل مؤلفات أستاذنا إلى كل يد في هذا الوطن وخارجه, وكان ما تطلعنا إليه بفضل هذا النبيل معالي الشيخ أحمد زكي السباق إلى كل خير دائماً, وأنجزت المهمة ومستشاري في هذا الأستاذ محمد سعيد طيب, وخرجت المجموعة في مجلدات سبعة لم تترك من كتب أستاذنا ومقالاته شيئاً كما شملت ما قيل عنه, وحمدت الله أن استطعنا أن ننجز هذا قبل وفاة أعز الناس أستاذنا الجليل, وحملت إليه المجموعة فرحاً بما أفاء الله علينا من نعمته, ورأيت السرور يغلب على ملامحه, واحتفلنا بهذا الانجاز بحضوره وحضور تلميذه الوزير الذي كان فرحه به مثل فرح استاذه إن لم يكن أكثر, ومعاليه بينه وبين استاذه الكثير من التشابه في الفعل الانساني الراقي ولا أزال حتى اليوم أتذكر تلك الأيام التي سعدت بها بقربي منهما, فمثلهما القرب منهما يزيدك بما تمتعا به من فضل فضلاً, وكان هذا الانجاز أجمل تكريم وأوفاه لرائدنا الكبير أن رأى مجموعته بين أيدي القراء في الوطن وخارجه, هدية من أوفى الأوفياء معالي الشيخ احمد زكي يماني, والله اسأل ان يثيبه على هذا الوفاء الرائع لأستاذه واستاذنا شيخ نقادنا الأستاذ عبدالله أحمد عبدالجبار رحمه الله الرحمة الواسعة وأسكنه فسيح الجنان.
Tags الأوفى التكريم عبدالجبار عبدالله عبدالله عبدالجبار
Check Also
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …