نعتقد جازمين ألاَّ سبب يدعو إنسانًا علم الحق من هذا الدين الحنيف يسمع قول الله عز وجل: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا»، ويذهب إلى إزهاق أرواح عبادٍ لله، مؤمنين يرددون الشهادتين، ويقيمون أركان الإسلام الخمسة، إلاَّ وهو مجرم تأصَّل في نفسه الإجرام عبر موروث فكري، رضعه صغيرًا، ونشأ عليه حتَّى بلغ مبلغ الرجال، فلمَّا أُتيحت له الفرصة، استعمل أدواته، وأرهق المجتمع الذي يعيش فيه، وغزا المجتمعات الأخرى، بنشر الرعب والاعتداء على النفوس والأعراض والأموال، وكأنَّه لا يعرف حرمتها في هذا الدِّين، والذي يزعم زيفًا وكذبًا أنَّه يدعو إليه، ويريد بزعمه أن يعود إليه الناس، وقد بدأ هذا المنهج منذ وجدت الأديان، حيث دومًا يظهر من يريد تشويهها في عقول الناس وليصرفهم عنها، فيؤسس بفعله القبيح ما ينفّر الناس عنها، ويستجد في كل الأمم التي كان لها في الأساس دين صحيح مثل هذا، تخرج فيها جماعة تحاول التفريق بين أهلها، وتأتي من الأفعال أقبحها، وتنسبها إلى دينها، فيفسد من أمرها ما جاء الدين أصلاً لتجنّبه، فالأمم الكتابيَّة كلها مرَّت بهذا، والإسلام مرَّ بهذا حتّى في عهده الأول عندما خرجت فئة الخوارج، وأرادت تشويه الدِّين لتصرف الناس عنه، وسجّل التاريخ جرائمها البشعة، والتي لم تتوقف عبر العصور، فما أن تختفي منهم جماعة إلاَّ وتظهر بعد زمن جماعة أخرى، وتلوَّنت هذه الجماعات فكان منها في كل الطوائف والفرق من المسلمين أمثال لها، ودومًا تظهر هذه الجماعات على أنَّها الجماعة المنصورة والناجية من عذاب الله، فهي الطائفة الوحيدة في زعمها التي على الحق، وسائر الأمة فرقًا وطوائفَ على باطل، كلّها مصيرها النار، وهي وحدها التي خُلقت الجنة لها، وهي إنما تدعو الناس لينجوا من النار، تصحح لهم عقائدهم وأديانهم، ومَن لم يقبل دعوتها فهو كافر خارج عن الملّة، يستحق القتل، ويُستباح عرضه وماله، وأنفس أهله، ومَن يقرأ تاريخنا الإسلامي سيدرك ما أقول، فكم أُزهقت أرواح، وهُدِّمت مدن حتَّى لم يبق للحياة فيها أثر، بدعوى أنَّ أهلها من المسلمين قد ضلَّوا، بل واتِّهامهم بالخروج من الملَّة، أو بالشرك في عبادة الله، ولنا في كتبٍ بين أيدينا ما ضلَّلت كل طوائف وفرق المسلمين، بل وفي كثير من الأحيان قاتلتهم، وغنمت أموالهم، بدعوى أنَّهم عادوا إلى الشرك والكفر، بعد أن كانوا مؤمنين، ومَن اعتقد كفر أخيه المسلم هان عليه دمه وماله وعرضه، ورغم تحذير الدِّين من هذا، وتوالي النصوص، إلاَّ أنّ مثل هذه الدعوات تجد آذانًا صاغية، ويلتف حولها أعداد من المسلمين يؤمنون بأفكارها، ويكونون جنودًا لها، رغم أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ دماءَكم وأعراضَكم وأموالَكم حرامٌ كحرمةِ يومِكم هذَا، في شهرِكم هذَا، في بلدِكم هذَا) حينما بيَّن للناس حقوقهم في خطبته الرائعة في حجة الوداع، وهو القائل حين أُمر بقتال من يقاتله من غير المسلمين (أُمرتُ أنْ أقاتلَ الناسَ حتَّى يقولُوا لا إلهَ إلاَّ اللهُ، فإنْ قالوهَا عصمُوا مني دماءَهم وأموالَهم إلاَّ بحقِّهَا وحسابهم على اللهِ)، وهو مَن نهى عن التكفير تحت أيّ مبرر فقال: (أيَّما رجل قالَ لأخيهِ يَا كافر فقدْ باءَ بهَا أحدَهمَا)، وقال: (سبابُ المسلمِ فسوقٌ، وقتالُه كفرٌ)، بل وجعل التكفير كالقتل؛ لأنَّه مفضٍ إليه ولا شك، فقال: (تكفيرُ المسلمِ كقتلِهِ)، وظلت مذاهب المسلمين المعتبرة على ذلك إلاَّ مَن أضلّه الله على علم، فكفَّر المسلمين لأتفه الأسباب، وادَّعى عليهم العودة للشرك مثل هذا الداعية اليوم الذي يذهب إلى بلدان إسلاميَّة، ثم يدَّعي أنَّه قيل له إنَّهم يطوفون بقبور الصالحين، وإنَّهم يضعون الصدقات في صناديق عند مساجدهم التي دفنوا فيها، وحكم عليهم بالشرك لذلك، ومثل هذا منتشر في كتب تدرس في المساجد حتّى أنَّ كتابًا فيه تكفير الإمام أبي حنيفة يدرس، ويبرَر تكفيره، فإذا لم ننتبه لذلك كله، فلن يُقضى على التكفير، بل وسيزداد انتشاره، ويؤسس لما نسمّيه الإرهاب. فهل نفطن لهذا؟ هو ما أرجوه، والله ولي التوفيق..