لا أدري من هو الذي بذر بذرة للخصومة بين جيل الشباب وجيل الشيوخ, وشجع على التباعد بينهما حتى لا يستفيد أحدهما من الآخر, أو يعيب كل منهما الآخر..
الإسلام دين تميز بأن الأخلاق فيه أحكام شريعة واجبة الاتباع, ورسوله رسول الرحمة يعلن أنه إنما بعث ليتمم مكارم الأخلاق, وقد اختار الله ليحمل دعوته قوم تميّزوا في جاهليتهم بفضائل الأخلاق, وكتابه المطهر “القرآن العظيم” كان ثلثه أو يزيد يتحدث عن فضائل الأخلاق, وحينما تربى عليه الفريق الأول, وأصبح سلوكهم وفق هذه الأخلاق, كان ذلك داعيًا إلى أن يقتنع الناس بما دعوهم إليه, وهو ما يجعلنا نقول إن المسلم إذا عري عن هذه الأخلاق ذهب أكثر إيمانه, ولم يكن قادرًا على هداية أحد من الخلق, وموضوعنا اليوم مثال لهذه الأخلاق التي ترتجى, فقد اعتبر الحبيب المصطفى أن من لا يرحم الصغار ولا يوقر الكبار ليس من المسلمين, وفي مجتمعنا اليوم عدم عناية بالصغار في كثير من الأحيان, فعدم الرحمة بالصغار, مع ما ينشر اليوم في صحفنا المحلية من تعامل الآباء والأمهات مع الأبناء الصغار, سواء بالإهمال, أو الضرب المبرح, والعنف المتجاوز, والذي قد يبلغ حدًّا من الإيذاء أن ينتج عنه إزهاق الأرواح, هي ظاهرة يجب أن تعالج, ولعل العلاج يشمل وسائل كثيرة, فإن التحوّل الذي تعرضت له الحالة الاجتماعية للأسر في الأعوام الأخيرة أدّت إلى غياب قيم إنسانية كثيرة, ولابد من النظر إلى التربية التي تغيرت في هذا الزمان, ولم تفلح في تنشئة صالحة للأبناء لا في المنازل, ولا في المدارس ويقدم منهم من يريد الزواج عليه, وليس له مخزون معرفي وقيمي في مجال الأسرة, وكيفية تربيته لأولاده, وإذا تجاوز الصغار سن الطفولة, ودخلوا مرحلة المراهقة مع ما يكتنفها من أخطار لم يجدوا موجهًا ومربيًا يجنبهم أخطارها, ولا يجدون إلاّ ما يحتشد في الشارع من صنوف المبتدعات التي جلبت مع ألعاب تدار على آلات يقضون جل أوقاتهم على مباشرتها, فإذا تجاوز بعضهم تلك المرحلة دون ندوب واجهتهم الحياة وما فيها من معوقات لا حصر لها اليوم, ووجدوا من يثبطهم ويتهمهم بتهم شتى فهم الشباب اللاهي, غير المقبل على العمل, الذي يضيع أوقاته فيما لا يفيد, ويصطلحون على ألا يتيحوا له الفرصة أن يظهر مواهبه وقدراته, فهو لا يزال عديم الخبرة, وكأن هذه الخبرة ستواتيه دون أن تتاح له الفرصة للعمل في المجال الذي تخصص فيه, وهذه النظرة غير السوية إلى الشباب تزيد من مشكلاتهم, التي أدّى إليها سوء برامج التعليم, وعدم إصلاح منظومة التعليم رغم تفاقم الأخطاء, وقلة فرص العمل, ممّا يؤدّي إلى بطالة تؤدّي حتمًا إلى تراجع الشباب في كل المجالات, والأمم إنما نتسابق بما تقدمه لأبنائها من تعليم راقٍ, يجعلهم منهم مبدعين مستقلين فكريّاً, قادرين للانصهار في بوتقة العمل الوطني باكرًا, وما لم يتوافر لشبابنا مثل هذا فلن يستطيع التغلب على مشكلاته, وستزداد تعقيًدا على مرّ الزمان, ولعل ما يحدث اليوم من الشباب تجاه الكبار من عدم التوقير لهم, والإساءة إليهم ممّا هو ملاحظ تزايده في زماننا هذا, يعود إلى ما سقناه من الأسباب, حيث تصبح المسافة بين الأجيال مؤهلة للتباعد والانقطاع, بحيث يصبح كل جيل منشغلاً بإعداد قائمة بعيوب الجيل الآخر, الذي سبقه, أو الذي جاء بعده, فها نحن نجد بمزيد من الأسى صغارًا لا يحترمون الكبار, وشبابًا أصبح يرى طول سني العمر عيبًا, يجعله لا يقيم وزنًا لشيخ طعن في السن, أو أنه يعتبر كل من يكبره عمرًا جيلاً أنتهى دوره, فلا الشيوخ يعترفون للشباب بقدرتهم على المشاركة في عمل جاد عبر مواهب وقدرات منحهم الله إيّاها, ثم تعلموا ليتخصصوا في أعمال متنوعة تحتاجها الحياة, ولا الشباب يعترف للشيوخ بأنهم خاضوا معارك الحياة, وكوّنوا خبرات في مجالات شتى, وأن علمهم يحتاج لهذه الخبرات, مع نشاطهم وقوة أبدانهم, فكل منهما يكمل الآخر, فما استقل قط جيل وحده بالعمل للوطن وبناء الحياة, بل كل جيل يساهم بما يستطيع ليأتي بعده جيل آخر يكمل البناء, ويساهم بدوره في كل هذا, ولا أدري من هو هذا الذي بذر بذرة للخصومة بين جيل الشباب وجيل الشيوخ, وشجع على التباعد بينهما, حتى لا يستفيد أحدهما من الآخر, وأن يعيب كل منهما الآخر, وعهدنا بالأجيال تتواصل, ولا أزال أذكر سعينا الدائم إلى شيوخنا في الأدب والثقافة والعلوم نفيد من مخزونهم المعرفي, ونكسب من خبراتهم ما ينهض بمسيرتنا نحو المستقبل نبني للوطن حياة نتمناها, فنعمل له بعلم اكتسبناه وبخبرة اكتسبناها من ممارسة للعلم, وبما وجدناه عندهم من أصول يضاف إليها, فما كان الشيوخ يعيبون علينا إلاّ ما يعاب إن ارتكبه بعضنا من تكاسل أو عدم اهتمام, وما عبنا عليهم شيئًا إلاّ أن يكون خطأ اكتشفناه فصححناه في أدب, ولا يعني هذا أن ما قد يقع من مناوشات تحدث في ساحة الثقافة لا فرق فيها بين شاب وشيخ واردة إلاّ أن عدم التواصل خطره على الوطن وثقافته ليس باليسير. فهل نهتم به ? هو ما أرجو, والله ولي التوفيق.