الثقافة التي تنتج الإرهاب

الكلمة دومًا تسبق الفعل، فلا فعل إلاّ ويسبقه أولاً تفكير، ثم يعقبه تصريح في الغالب، ثم يتحوّل إلى فعل منجز، ومن تتبُّع الحركات التي انتهجت العنف عرف هذا يقينًا، فكم من أقوال ردّدتها بعض المنابر، وحُفِظَت سطورًا في الكتب، فجاء مَن حوّلها إلى أفعال حسب فهمه، فملأ بها الدنيا ضجيجًا، وأسال بها الدماء أنهارًا، هذا هو الطريق للعنف والإرهاب منذ أزمان ضربت في عمق التاريخ، وفي تاريخنا الإسلامي ظهرت جماعات تنادي بإصلاح ديني توهّمته، فأرادت أن تنفذه، ولو كان السبيل قتل الظالم الذي تصوّرته، والمظلومين معه، هكذا كان فعل الخوارج الذي حذَّرنا منهم سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهم قوم فكّر لهم منظّرون ظلّوا زمنًا يحرّضونهم، فكانوا أشد على الأمة من أعدائها، انصرفوا عن قتال أعدائها، وجعلوا همّهم كله في قتل صالحيها.
وهكذا لما غفلنا عن مَن نظّروا لكثير من العنف عبر التكفير والتبديع والتفسيق بالجملة على فرق وطوائف ومذاهب من المسلمين لهم في بلادنا وجود، وتزايد هذا حتى سُمع من فوق بعض المنابر في المساجد، وقرأناه في الكتب، بل وفي الرسائل الجامعية، واستمعنا إليه في بعض الدروس، بعد أن أذيعت عبر الإنترنت واليوتيوب، وسمعنا عجبًا، بل إن الأمر تسرّب إلى صحف يومية، ولم ينشط أحد لمنع هذا المد المتصاعد، والذي أنتج ثقافة إرهاب منتخبة، استفاد منها قوم أضلّهم الله، فعشقوا إراقة الدماء والاعتداء على الأموال والأعراض، وضجّت منهم الكثير من أقطارنا المسلمة، التي نالها منهم الكثير من العنف، وجرّبنا منه ألوانًا، لعلّ آخرها ما حدث في القديح، حيث فجّر أحد الضّالين نفسه بين مصلين في القطيف، فقتل ما زاد عن العشرين، وأصاب ما يقارب المئة، وما فعل ذلك إلاّ لأنه أُقْنِعَ أنهم كافرون.
وما استمرت هذه الثقافة، فلن يتوقف هذا البلاء، الذي أسماه العالم إرهابًا، ونحن في عرفنا الإسلامي نسمّيه بغيًا وحرابة، عقوبته في ديننا أشد عقوبة تنال جانيًا، ولو طُبّقت على هؤلاء هذه العقوبة لحدّت من التحاق المراهقين بهم.
إن عدم المواجهة الفكرية لهذه الثقافة عبر هذا الدين الحنيف الذي جاء بالوسطية والاعتدال في كل عقائده وشرائعه، وأمته أمة الوسط التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس بأخلاقها وقيمها، التي أقنعت كثيرًا من الأمم بالانضمام إليها، واعتناق دينها، وما لم تعد هذه الأمة إلى تلك القيم، فسترى الكثير من انحرافات هذه الجماعات، التي أصبحت اليوم تتناسل بسبب ثقافات مغلوطة تنتشر، وتُنسب إلى الإسلام زورًا، ولعلّنا ننتبه لذلك، هو ما نرجو، والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: