كثير من القضايا لم تحسم في مجتمعنا، في وقت لا أحد في هذا العالم يتجادل حولها، ولو عرضناها بحكمة على العقل والشرع لوصلنا إلى حسم لها..
لا أدري هل أوتينا جدلًا عقيمًا لا ينتهي في قضايا كثيرة, لم يعد أحد في هذه الدنيا يقيم لها وزنًا, نختلف حتى اليوم على عمل المرأة, وماهو العمل المناسب لها, ونجد حين الجدل من لا يرى لها حقًّا في عمل أو اكتساب, ولا يرى لها مهمّة سوى أن تكون متعة للزوج, ومربية للأطفال, بل لعل الأمر يتجاوز ذلك إلى أن خروجها من البيت للعمل تغريبًا يجب مواجهته واتهام المنادين به بشتى التهم, وقبل سنين ثلاث أو أكثر قليلاً كان من موضوعات حوارنا الفكري عمل المرأة ووظائفها, ولا نزال حتى اللحظة نناقش هل يمكن للمرأة أن تكون محامية, أو أن تكون مهندسة, وسلسلة من الأعمال والوظائف لا نرى لها حقًّا فيها, بل وحتى المناصب العليا كالإدارة العليا أو الوزارة, ورغم أن المرأة في هذا الوطن نالت الكثير من المكانة فهاهي أستاذة في الجامعة, وعميدة, وسيدة أعمال.. وهي في طريقها إلى تحقيق الكثير بجهدها وذكائها, إلاّ أن هناك من يحاول عرقلة مسيرتها, لا لسبب سوى أنها امرأة, وكأن في النفوس شيئًا تجاه النساء, رغم أن المرأة هي الأم التي تحت أقدامها الجنة, وفي رضاها رضا لله عز وجل, والبنت التي يحرص الأب على رعايتها ويمنع الضر عنها, فهي بضعة منه يؤلمة ما آلمها, ويسعده ما أسعدها, والأخت هو سند لها, وهي التي تحنو عليه إذا عرض له عارض من الدنيا يؤلمه, ماذا أقول: هي الخالة والعمة والجدة, لا وجود لرجل إلاّ وأنجبته امرأة, وعاشت بجانبه أخرى تشد من أزره, وترافقه في رحلة الحياة, أيمكن بعد هذا أن نجد رجلاً يكره النساء, ويطالب بالتضييق عليهن, فلا يعترف لهن بحق, إنه إن وجد فهو شاذ الفكر, مريض النفس, وما تتعرض له النساء عبر الزمن من إنكار لحقوقهن/ واستبعاد لهن من مجريات الحياة, إنما يصدر عمّن لا عقل له, ولا يمكن أن نجد رجلاً يرى في تعليم المرأة مفسدة لها أو تغريبًا, إلاَّ وكان بين الرجال الحقيقيين شاذًّا, ومن يرى في طلب المرأة الرزق فتنة لها, أو افتتانا بها فهو رجل لم ير فيها سوى خادمة لشهواته, لا يرضى لها رزقًا طيبًا تكتسبه فتحفظ كرامتها به, فالمرأة كالرجل لها حق في موارد الرزق تجارة وصناعة وزراعة, وظيفة خاصة وعامة, لا تحرم منها, يؤيدها في ذلك عقل وشرع, وليس في نظم الوطن وأهله ما يمنعها من ذلك, وما يتردد على ألسنة البعضن ممّن يرون المرأة المخلوق الضعيف الذي يحرم من حقوقه ويصبر, حتى أنه في بعض البيئات يحرم من إرثه الشرعي من أقربائه, وأيضًا قيادة المرأة للسيارة لتستغني عن سائق يصاحبها في كل مشوار تقطعه إلى عمل أو لقضاء حاجة لم يحرمها شرع ولا عقل, والعالم من حولنا إسلاميًّا وغير إسلامي لم يعد فيه جدل حول هذا الأمر, ونحن وحدنا في العالم من لا يزالون يتجادلون حول حق المرأة في قيادة سيارتها, ولم نجد في نظمنا المرعية ما يمنعها من ذلك, والحجة في أن المجتمع لا يزال غير مهيأ لقبول هذا الأمر هي حجة واهية, مثله مثل كثير من الأمور التي يبرر عدم وجودها في مجتمعنا بهذا المبرر, ولا أدري كيف يكون المجتمع حاكمًا يمنع الحقوق عندما يريد أن تصل إلى أصحابها, ويمنحها لهم متى أراد, والمجتمع غير المؤهل لكثير من الحقوق هو مجتمع ضعيف في هذا العالم, لا يحسب له حساب, وأنا أزعم أن مجتمعنا مجتمع قوي يرعى حقوق أفراده لو أن الأمر إليه, وأي أمر يعارضه فئة من الناس وهو حق لفئات كثيرة من المجتمع, يجب أن ينصف أصحاب الحقوق, ولا يلتفت للمعارضين, ولو اضطررنا لإجراء استفتاء يضمن حين إحصاء النفوس في بطاقة الأحصاء لنعرف من يقر بالحقوق ومن يعارضها, والمهم أن كل ما نتجادل حوله أكثره قد حسم في مجتمعاتنا الإسلامية الأخرى, كما حسمت مجتمعات أخرى ذلك, ونبقى وحدنا من يتجادل حول قضايا المرأة, وقضايا أخر مثل التجديد أو التحديث والإصالة, وحول أن الانتخابات أفضل أم التعيين, وهكذا نجد كثيرًا من القضايا لم تحسم في مجتمعنا, في وقت لا أحد في هذا العالم يتجادل حولها, ولو أننا عرضناها بحكمة على العقل والشرع لوصلنا إلى حسم لها, لا يتردد معه أحد فيها إلاّ إن كان ممن لا يعترف بعقل ولا شرع, ومثله لا يؤبه له في أي مجتمع إنساني. فهل نحن ندرك هذا? هو ما أرجو, والله ولي التوفيق.