جل هذه الجماعات لا ترى مسلمي زماننا إلا أنهم مرتدُّون عن الدين وكل جماعة منهم لا ترى مسلمين سواها، ولهذا استحلوا دماء المسلمين وأعراضهم..
الجماعات المنحرفة والمتطرفة التي عاثت في أرض المسلمين فسادًا لا يمكن تسميتها بالإسلامية كما تدعي، بل هي “متأسلمة” تدعي زورًا الانتساب إلى الإسلام، وهي التي تناقض غاياته ومقاصده، وكلها تأسست من أجل غرض واحد وهو أن تتفرق هذه الأمة المسلمة إلى أضداد، يحارب بعضها بعضًا، وتفوز هي فقط بحكمهم وقد أصبحوا إمارات متناثرة أو بلغة العصر كنتونات يرأس كل واحد منها أمير يوجهها ليحقق لها مصالح، هي في الأصل مرتبطة بقوى أعظم أوجدتها ودربت أفرادها على أعمال عنف يجعل لها القدرة على إثارة الاضطراب في مجتمعاتها لتنتهي هذه المجتمعات إلى الحال الذي يجعل لهذه القوى القدرة على تفتيتها إلى هذه الكونتونات وليسهل عليها أن تجعلها في خدمة مصالحها، ويخشى المفكرون العقلاء أن يحدث هذا سريعًا بعد هذه الثورات التي اجتاحت بعض أقطارنا العربية، والتي استغلتها هذه القوى لتساعد هذه الجماعات لتقوم بالمهمة المنوطة بها، فما كان لأي من هذه الجماعات أن تصل إلى الحكم لولا أن هناك أيادي أعانتها سرًا وجهرًا وهي اليوم تقف بجانبها لاسترداد حكم مصر، وتساعدها على البقاء كجزء من حكومة تونس رغم ما تلقاه من معارضة شديدة، وحرثت الأرض في ليبيا وتثار فيها الاضطرابات لتتهيأ لحكم هذه الجماعة هناك، وأنا أعلم أن هناك من يرى فيما أقول أمرًا بعيدًا عن الواقع، لأنه لا يعرف هذه الجماعات، ولم يباشر أحدًا من قياداتها، التي ظلت دومًا لها صلات بالقوى الاستعمارية منذ نشوئها وحتى يوم الناس هذا، رغم أن لها القدرة في اخفاء علاقاتها بها زمنًا ليس بالقصير، وكل قادتها رغم ما يعلنونه من عداء للغرب، فهم لا يعيشون إلا فيه خاصة في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وحينما يتعرضون لملاحقة حكومات بلدانهم، فلا يجدون حاميًا لهم سوى دول الغرب، التي ينادون زورًا بالعداء لها كما كانوا يزعمون عداء لبريطانيا، وبدأت الحقائق تتكشف، وإذا هذه الجماعات وعلى رأسها الجماعة الأم “الإخوان المسلمون” على صلة وثيقة بهذه القوى، وما شعار “الإسلام هو الحل” إلا وسيلة استخدمت للوصول إلى سدة الحكم، للسيطرة على عدد من البلدان لتهيأ لما خطط له من تقسيمها إلى كنتونات تخدم المصالح الغربية، ولعل هذا ما جعل دولة الصهاينة تتخلى عن غزة لفصيل من هذه الجماعة، لتنتهي قضية فلسطين، بإقامة إمارة لهذه الجماعة المتأسلمة فيها، تنضم إلى إمارة أخرى شرق سيناء أو تصبح إمارة واحدة، ليصبح بعد ذلك كنتون آخر في بعض الضفة الغربية يمنح للفلسطينيين الذين لا ينتمون لهذه الجماعة، فتكون القضية قد صفيت تمامًا، بجهد بذلته هذه الجماعات التي لم تقاتل قط هذا الكيان الصهيوني، رغم كل ما قامت به من العنف في الأرض العربية وضحاياه مسلمون إلا ما ندر، أما الصهاينة فهم سالمون من أي عنف لهؤلاء، بل لعلهم يحمدون لهم ما يقومون به، وهذه الجماعات ولمن يساندها أن يعلم أنها أشد استبدادًا من كل المستبدين الذين ولّوا أمر المسلمين واستبدوا بهم في الماضي والحاضر، يعلن عن ذلك سلوكها مع أفرادها، فمن يختلف مع قادتها يحارب داخل الجماعة ثم يحاكم ويفصل منها إن لم يؤذَ إيذاءً شديدًا في رزقه وبدنه،وهي مع بعضها أشد عداء من أعدى أعدائهم لهم، وقد رأينا هذه الجماعات المتأسلمة في أفغانستان ما ان فرغت من قتال عدوها، حتى تقاتلت وسالت الدماء بينها أنهارًا، واليوم رأينا في مصر جماعة الإخوان ومن ناصرها من تلك الجماعات يتقاتلون إعلاميًا حتى كفّر بعضهم بعضًا، وما موقفهم من حزب النور عنا ببعيد فما أن اختلف معهم إلا وكفروه وأخرجوه من الملة، وكل هذه الدماء التي تسببت في اهراقها هذه الجماعات في عرض وطول البلاد الإسلامية لا ثمرة لها سوى ضعف هذه الأمة وشتات أمرها، واستهانة أعدائها بها، والديمقراطية المزعومة هم أول من لا يؤمن بها، وإنما يعلنونها وسيلة لهم أن يصلوا من خلالها إلى الحكم، ولو زوروا الانتخابات وخالفوا كل آلياتها، وما هي إلا سلم يرتقون به إلى الحكم، فإذا استقروا على الكراسي، ركلوها بأقدامهم حتى لا يصعد أحد عليها من غيرهم، وما المخالفات الدستورية التي ارتكبوها في مصر ببعيدة عنا، يشير اليها ذاك المنشور الاستبدادي المسمى (إعلان دستوري)، والذي لم يصدر له مثيل في جميع أرجاء العالم، يحصن به حاكم قراراته، والخطورة البالغة في وصول هذه الجماعات المتطرفة لحكم أي قطر عربي أو إسلامي، هو إدعاؤها أنها ستحكم بالإسلام، وأفراد هذه الجماعات وقادتها لا يعرف أحد منهم بالعلم في مجال الشريعة وأحكامها، فالمعلوم بداهة أن جل المنتسبين اليها من أصحاب المهن والحرف البعيدة عن هذا اللون من العلم، فحتى مرشد الجماعة الكبرى إنما هو طبيب بيطري، لم يلتحق بكلية في جامعة معتبرة تدرس العلوم الشرعية، ولم يلتحق بحلقات العلم المعتبرة التي ينقل فيها الشيخ المعروف العلم إلى تلاميذه، وكفى هؤلاء المناصرون لهم تزييفًا للحقائق، فما عرفت الدنيا جاهلًا بشيء يهديه إلى مثله، والجاهل إذا حُُكّم في رقاب الخلق، وهو يدعي إدعاء أنه سيحكم بالشريعة، فإنه ولا شك سينسب كل مظالمه إلى الإسلام، وسيرى الناس ان كل أخطائه لإدعائه الباطل تنسب إلى الإسلام، ولعل ما حدث في أوروبا في القرون الوسطى لم يعدُ مثل هذا، فالذين شوهوا دينهم من الرهبان زعموا انهم العلماء به وهم جاهلون، فجعلوا الدين وسيلة يظلمون بها الناس، فحرقوا العلماء واضطهدوهم، وعاثوا في الأرض فسادًا باسم الدين، وهذه الجماعات جلها لا ترى مسلمي زماننا إلا أنهم مرتدون عن الدين، وكل جماعة منهم لا ترى مسلمين سوى أفرادها، ولهذا استحلوا دماء المسلمين وأعراضهم دون أن يهتز لهم طرف، وما لم تتخلص بلادنا الإسلامية من هذه الجماعات عبر خطة ثقافية فكرية توعي الناس بخطر استيلاء هذه الجماعات على الحكم في أي بلد عربي أو إسلامي، فالخطر داهم على البلاد والعباد من هذه الجماعات المنحرفة المتطرفة ولا بد من مواجهته بحكمة وحذر شديد حتى تنجو بلادنا العربية من هذه الاخطار التي تهددها من أعدائها التقليديين وأعدائها الجدد فهل نفعل هو ما نرجو والله ولي التوفيق..