لو أن المسلمين كلما ثار قتال على أرض إسلامية أمدوا أهلها بالسلاح والأموال لقلَّ ما ينال المسلمين من قتل أبنائهم
لا أحد يشك في أن الجهاد فريضة, ثابتة بنص الكتاب “القرآن العظيم” وبنص السنة المطهرة, وإجماع الأمة, فالله عز وجل يقول في محكم كتابه “كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) والآيات في وجوب القتال كثر في كتاب الله, منها قوله تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان على الظالمين), وجاء في الحث على الجهاد العديد من الأحاديث الصحيحة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- (والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل). وعن سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم يقول: رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان” ولكن الجهاد في أصل حكمه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين لقول الله عز وجل “وفضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلًا وعد الحسنى”, ولا يكون فرض عين إلا إذا هجم العدو على بقعة من بلاد المسلمين مهما صغرت فالجهاد فرض عين على أهلها وعليهم دفعه وإزالته, فإن لم يستطيعوا لقلة عدد أو عدة فأقرب المسلمين إليهم أرضًا وجب عليهم إعانتهم على رد العدوان بالمال والنفس, والحالة الثانية التي يكون فيها الجهاد فرض عين إذا أعلن الإمام “الحاكم” النفير العام لزم الجميع أن ينفروا معه, وكذا يجب على من حضر المعركة الجهاد ولا يعذر بتركه, لقول الله تعالى “يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض” ولقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “وإذا استنفرتم فانفروا”. ولأن التولي يوم الزحف من كبائر الذنوب المهلكة, والمجاهد يشترط فيه أن يكون مسلمًا عاقلًا بالغًا ذكرًا قادرًا على الجهاد أي سليمًا من الضرر فالعاجز عنه لعاهة به أو مرض أو لا يعرف فنون القتال لا يكلف به “ليس على الضعفاء ولا على المرضى حرج”, ويرى الجمهور ألا يخرج المسلم إلى الجهاد إذا كان أبواه في حاجة إليه, ولابد من إذنهما له ليجاهد, فقد استأذن رجل النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال له: أحيٌ والداك, قال: نعم فقال صلى الله عليه وسلم ففيهما فجاهد, كما أن الجهاد في الماضي كانت كلفته قليلة جدًا لذا اشترطوا القدرة على مؤونة الجهاد الذي لا يتعدى تحصيل السلاح سيفًا ورمحاً ودرعًا وما شابه ذلك وأن تكون معه نفقته ونفقة عياله لأن الله عز وجل يقول:(ولا على الذين لايجدون ما ينفقون حرج) وقال:”ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع”, كما أن إدراك فنون القتال أمر ميسور للجميع, ولكن القتال اليوم مختلف لهذا اضطرت الأمم لإنشاء الجيوش المتخصصة في القتال التي يلزم أفرادها علم نظري وعملي لا يمكن الحصول عليه إلا في زمن طويل, فتعدد الأسلحة وتنوعها فرضت على الأمم أن تجعل نسبة كافية من دخلها تنفقه على الجيوش, ولا يقول عاقل إن من لم يعرف كيف يستعمل السلاح أن يدفع إلى معارك الأسلحة فيها متنوعة فيكون الموت أول ما يحصل عليه حينما يدخل المعركة, ولا يقال إنه يمكن أن يتم تدريب الشبان الذين لم يتخصصوا في فنون القتال في أيام أو أشهر قليلة ليدفعوا لمعارك فيكونوا بين القتلى والأسرى, وقد جرب ذلك في مواطن كثيرة في عالمنا الإسلامي كان فيها قتال, كما أن القتال لا يكون إلا تحت راية, فلا أحد يأخذ قرار القتال بنفسه ويخرج وحده, فهذا أمر لا يقره شرع ولا عقل, لذلك رأى الشافعية والحنابلة أنه لا يجاهد بغير إذن الإمام أو الحاكم وجهاد الطلب اليوم تعجز عنه الدول فما بالك بالأفراد, وأما جهاد الدفع لمنع العدوان على البلاد والعباد إذا حضر فهو فرض عين على الجميع, ولو أن المسلمين كلما ثار قتال على أرض إسلامية أمدوا أهلها بالسلاح والأموال حتى تنتصر على عدوها لقلّ ما ينال المسلمين من قتل أبنائهم في بلاد بعيدة أو قريبة وهم لا يحسنون القتال يدفعهم إليه تنظير متحمسين ودون البحث عن أسباب النصر فلنسأل الله لإخواننا في سوريا النصر ولا نتخلى عنهم فنمدهم بالمال والسلاح ولنداوي جرحاهم ونعين منهم من لا يستطيع القتال ولو فعلنا فلا نشك إنا نصرناهم فهذا ما أرى والله ولي التوفيق.