الحجرة النبوية وتوهم المنكرات

لا أحد يشك في أن خير القرون، القرن الأول، الذي هو قرن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه الكرام رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان، فهم خير المسلمين ولاشك، سواء اعتبرنا القرن المائة سنة، أم اعتبرناه الجيل من الأحياء بني آدم، ثم بعده قرنان، فتكون الثلاثة خير القرون، والمسلمون فيها خير مجموعهم ممن أتوا بعدهم. فقد ثبت هذا بحديث سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم).
وقد تم إدخال حجر أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم بدءاً من العام 88هـ أي منذ 1357 عاماً، فيها من الصحابة بعضهم، فقد كان آخرهم وفاة عامر بن واثلة بن عمر بن جحش (أبوالطفيل الليثي) رضي الله عنه وأرضاه، وكان كبار التابعين كثراً حينئذ، خاصة علماءهم وفقهاءهم وتولى عمارة المسجد النبوي حينئذ عمر بن عبدالعزيز الأمير والخليفة الصالح فيما بعد، وما اعترض أحد على إدخال الحجرات وإن فضل بعضهم أن يبقى بناؤها على ما كان عليه في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لينظر إليها الحجاج والزوار فلا يعمرون في الدنيا إلا بقدر الحاجة، ولم يروَ عن أحد منهم تصريح بأنه لا يرى أن يدخل القبر إلى المسجد إلا ما يحكى عن سعيد بن المسيب أنه أنكر إدخال حجرة عائشة إلى المسجد، فتأول بعض المؤرخين ذلك، بقوله كأنه خشى أن يتخذ القبر مسجداً.
وقد ورد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد) وإن صح أنه دعا بذلك فهو خير من يستجاب دعاؤه.
ولم نرَ في التاريخ من ذكر أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم – قد عبد من دون الله، في سائر الأزمنة منذ انتقاله للرفيق الأعلى وحتى يوم الناس هذا، وهذا من إكرام الله لإمام رسله وخاتم أنبيائه سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم-.

والدعوة لإخراج الحجرة النبوية خارج المسجد دعوة قديمة، كلما تجددت أثارت فتنة، الأمة في غنى عنها، وقد مرت ثلاثة عشر قرناً وما يزيد على نصف القرن أيضاً عاشتها أمة الإسلام، ووضع المسجد النبوي على ما هو عليه الآن، وقد مر في هذه القرون من علماء الأمة ما نحن في الواقع عالة عليهم، ثم يأتي في زماننا من يريد الفتنة ويطالب بإخراج الحجرة النبوية من المسجد ويقترح للقبة عليها ألا يجدد طلاؤها، وإزالة النحاس الذي عليها، ويقول إن هذا حد أدنى وإلا في جعبته أن تزال كلها.
ويقترح إزالة الجدار الجنوبي والذي كتبت أسماء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصافه عليه، بحجة أن تتم التوسعة من الجنوب ولا يتوسع شرقاً لتبقى الحجرة النبوية في مقترحه خارج المسجد ولو حكماً كما يقول وكل هذا كما يصرح حفظاً لجناب التوحيد.

وهو لا يكتفي بهذا بل ويدعي زوراً أن الناس في المسجد النبوي يطوفون بالحجرة النبوية، ولم يطف بها أحد في عهد ملوكنا آل سعود وتحت بصر الهيئة والجنود المرافقين لهم وإدارة الحرمين الشريفين وهذا من سابع المستحيلات كما يقولون، وقد مضى العمر حتى بلغت الخامسة والسبعين من عمري لم تمضِ لي سنة منذ بلغت إلا وزرت فيها المدينة ولم أر ما يدعيه هذا المفتون برأيه.
ويزعم أن الناس يتمسحون ببيت فاطمة رضي الله عنها، وبين بيتها وبين الناس حاجز يحرسه رجلان من الهيئة وبعض الجنود، فكيف يصلون إليه؟ إنها أوهامه، وهي التي دعته إلى أن يقول إن أهل البدع يتجمعون في الدكة المسماة بدكة أهل الصّفة، ويقول: (إلى ما يسمى بدكة أهل الصّفة التي هي الآن مرتع لأهل البدع من الصوفية وغيرهم) ويرى أن الخرافيين يطوفون على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في موسم الحج.

وقد ساق التهم للمسلمين وسماهم القبوريين، ونترك الأمر لأهله يحاسبونه على كل هذا، ونحذر من فتنة يثيرها هو وأمثاله مما يطالبون به من التغيير في أوضاع المسجد النبوي لمجرد أوهام رسخت في أذهانهم لا وجود لها في أرض الواقع، اللهم نسألك أن تحمي وطننا من الفتن ما ظهر منها وما بطن إنك السميع العليم.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: