إن في المكتبات من هذه الكتيبات ما لا يستحق أن ينشر على الناس، ولا نفع له في المجتمع، بل لعل بعضه شديد الضرر بمجتمعنا ويشوه صورة ساحتنا العلمية.
حتمًا كل منّا إن أراد أن يطبع كتابًا أو رسالة أيًا كان شأنها أو قيمتها لابد له وأن يحصل على إذن بالطباعة من الجهة الرسمية التي أحال النظام إليها هذه المهمة وهي لا يمكن لها أن تسمح بالطباعة، حتى تعرض كتابك على من يطلع عليه ويكتب عنه تقريرًا أنه صالح للنشر، وهذه حقيقة معلومة موثوق بها، لأنها نظام يعلمه الجميع، أما أن تأخذ ما كتبت إلى المطبعة فورًا وتطبعه ثم تكتب عليه دار نشر وتوزيع قد يكون لها وجود، وقد تكون موهومة، ثم تدفع به إلى المكتبات فهذا أمر غريب، لا أدري إن كانت الجهة أو الجهات الموكل إليها أن تصدر إذنًا بالطبع تعرف عن هذه الرسائل التي تملأ رفوف المكتبات خاصة منها ما تخصصت في بيع الكتب الدينية (الإسلامية).
وما أكثر هذه الكتب والرسائل التي تراها في هذه المكتبات لا ترى عليها رموز الإيداع في مكتبة الملك فهد الوطنية، والتي لا تمنحها لأحد إلا إذا كان معه من الأوراق ما يثبت أنه تقدم بها إلى الجهة الرسمية وحاز على إذن الطبع، وأعجب أحيانًا وأنا أتجول في تلك المكتبات لأن تخصصي هو ما يدفعني للحصول على كل جديد يعرض على رفوفها.
وقد فوجئت يوم الأحد 6/3/1436هـ، وأنا أبحث عن بعض الكتب التي أريد أن أقتنيها برسالة معنونة (الطريقة المثلى لإيصال خبر زواجك إلى زوجتك الأولى) ورأيت اسمًا لمؤلف أجهله ولكن الرسالة قدم لها أحد الأكاديميين في إحدى جامعاتنا المشهورة، وتساءلت هل إخبار زوجتك السابقة بخبر زواجك من اللاحقة يقتضي أن يؤلف في هذا كتاب يهدي من أراد الزواج مرة أخرى أن يبحث عن بروتوكول معين حتى يبلغها الخبر الذي يجب ألا تجهله، لأن الزواج بالأخرى يترتب عليه حقوقً متساوية لكلتيهما، ولا يمكن لإحداهما استيفاء حقوقها إلا إذا علمت بوجود الثانية، ونحن في مجتمع مسلم، يعلم جميع أفراده أن تعدد الزوجات مباح لأن الله عز وجل يقول: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)، والمرأة في هذا المجتمع مدركة أن زوجها قد يتزوج عليها شريطة أن يبلغها بعزمه على الزواج، ولها أن تشترط عليه في العقد ألا يتزوج عليها، فإن تزوج عليها طلقها، وعلى المرأة أن تبحث عن الزوج الذي لا يعدد الزوجات، إذا كانت تنفر من التعدد ولا ترضاه، وحتمًا هو لا يحتاج إلى هذه الطرائق أو المناورات ليبلغ الزوجة بزواجه من أخرى.
والزواج من شرطه أن يعلن ولا يُسَر، ومن يريد أن يُسِره حتى لا تعلم زوجته الأولى فهو يخالف الشرع والعقل، وقد يتهم بأنه يخافها لهذا يجبن أن يبلغها بخبر زواجه من الثانية، وقد عدد مؤلف الرسالة طرق نقل الخبر مما يثير الضحك في أن يسرب الخبر للأقارب عله يبلغ مسامعها، أو يحتال عليها بأن يقص عليها حكاية آخر يريد الزواج ويطلب منها أن تذكر طريقة مثلى فإذا ذكرت له طريقة استعملها في إيصال الخبر إليها، وأن يأتي إلى البيت بما يشير أنه تزوج الثانية منها رسالته هذه، والمضحك جدًا أن يسافر بها إلى العمرة ويخبرها بزواجه الثانية أثناء الطواف، وهي صورة لا ينصح بها عاقل، والأشد إثارة للسخرية أنه يأمر الزوج بأن يضع على شفتيه أحمر الشفاه ويطبعه على ملابسه، وينصحه أن يزعم أن زوجته الثانية إنما هي إهداء من أحد الفضلاء أو يجعل سبب زواجه تجارة كأن يمتلك قطعة أرض أو عمارة، وينصحه أن يعطيها استبيان دراسة تتحدث عن زواج التعدد.
ثم يهدي للرجل نصائح كلها تصب في تشجيع التعدد، حتى أنه يقول: إن كنت فقيرًا! فتزوج، ولهذا نجد في بلادنا ذا الدخل المحدود جدًا يتزوج باثنتين وثلاثًا، وهو لا يستطيع إطعام نفسه، فيضيع الأولاد وتتعدد المشكلات لأن هناك من يحرض على التعدد في صور غير مطلوبة تضر ولا تنفع.
عرض الكتيب أربع عشرة طريقة لإخبار الزوجة الأولى بخبر زواج زوجها بأخرى جلها يثير الضحك، وقد اعترض من قدم الكتاب على خمس منها.
ونحن هنا في عرضنا هذا الموضوع لا نريد إلا أن ننبه أن في المكتبات من هذه الكتيبات ما لا يستحق أن ينشر على الناس ولا نفع له في المجتمع، بل لعل بعضه شديد الضرر بمجتمعنا المسلم، وهو يشوه صورة ساحتنا العلمية، حيث يتوجه بعضنا لتوافه لا تفيد الناس ولا أصل لها في شرع ولا عقل، ويجب أن تتابَع الساحة وألا يُسمح لكل أحد أن ينشر على الناس كل ما يراه مفيدًا دون أن يستشير أحدًا، وعلى طلاب العلم الديني ألا يوافقوا على كل ما يقدم إليهم فيقدموه للناس أو يقرضوه أو يثنوا عليه، وهو قد يسيئ إليهم، ولعلهم يفطنون لذلك حماية لهم.
وكذلك يجب أن تتساوى معاملة كل المؤلفين، فلا يسمح لبعضهم بنشر ما يكتبون دون الحصول على إذن طبع أيًا كانت مكانة المؤلف أو قيمته، فالناس دومًا في مواجهة النظام سواسية، وإلا أقررنا نوعًا من التمييز ضد البعض ممن يلتزمون النظام ولا يقدمون على نشر مؤلفاتهم إلا بعد عرضها على إدارة المطبوعات في وزارة الثقافة والإعلام، أو تتاح الحرية للجميع فيما يريدون نشره بعد بذل جهدهم العلمي والأدبي والفكري فيه، فالمساواة توفر العدل للجميع، فهل نعي هذا، هو ما أرجوه والله ولي التوفيق.