الحرية وفوضى الممارسة

نحن شعوب لم نجرب الحرية بمعناها الأوسع الخادم للحياة، والحريات التي هي في عالمنا اليوم حقوق للفرد في شتى النظم، والتي يلتقي فيها الاسلام مع النظام الحر الفردي الذي واجهته السياسية النظام الديمقراطي، وواجهته الاقتصادية الرأسمالية والليبرالية، وهذه الحريات تتعدد لم يعد أحد في هذا العالم يجهلها، فحرية التملك والتنقل، وحرية العمل السياسي، وحرية التعبير والرأي ، ثم حريات أخرى تختلف النظم في إقرارها أو وضع قيود عليها، وحكاية أن في أي مكان من العالم الحرية تنقلب إلى فوضى، إنما هو تصور فقط، وإلا ففي العالم كله بما فيه “الغرب”، الذي نهاجمه دائماً، هناك دساتير وقوانين تضع ولا شك قيوداً على الحرية، بل إنّ الحرية ذاتها تضع قيوداً عليها فحريتك تنتهي عندما تبدأ حرية غيرك، لهذا فالحرية تصحح نفسها، ولا خوف منها أبداً، أما انتقال الحرية إلى أمور أخرى كالجنس، مع ما في الأديان من تنظيم دقيق له، فهذا يعود إلى ثقافات انتشرت في مواطن تغيبت فيها إلى حد معين فضائل الأديان، ولا يمكن تخويف المسلمين من الحرية بسبب هذا فالأحكام الشرعية والقانونية كفيلة ألا تتسرب إلى مجتمعاتنا الاسلامية مثل هذه الثقافة، ولكن أن تغيب الحريات لهذا السبب فهذه ولا شك ستكون كارثة تصيب المجتمعات الإنسانية، فارتباط العدل بالحرية والمساواة ارتباط يكاد ان يكون عضوياً، فلا يتصور عدل بلا حرية للناس، فمن يفتقدون الحرية لا يمكنهم المطالبة بالعدل،وإذا فقدوا العدل فإنهم حينئذٍ يتفقدون المساواة التي هي روح الحياة، فالتمييز بين البشر يهدم الصلة التي يجب أن تقوم بينهم، والتي تجعل بعضهم يحرص على مصالح الآخرين منهم، لأن مصالح البشر مع المساواة تصبح وكأنها شيء واحد، أما التمييز بينهم لأي سبب كان فإنه يجعل كل منهم له مصلحة خاصة في الغالب تضاد مصالح الآخرين، فينشأ بسبب ذلك بينهم إن لم يكن عداء، فهي كراهية تنشأ بينهم، والحساسية من الحرية هي التي تبعدها عن مجتمعات المسلمين، وهي حينما تتوافر لهم ستختفي في حياتهم الكثير من المشكلات، ومعلوم بداهة أن تطبيق أحكام الشريعة ستغيب عن ساحة الحرية كل ما يتخوفه المتخوفون، على شرط صحة التطبيق، في كلا الأمرين، ولنتذكر أن الإسلام حمل الحرية إلى شتى أرجاء العالم يوم أن كان العالم يعيش في ظلام دامس فندافع عن حرية تصنع الحياة، فهو ما نرجو والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: