جميع الخلائق يختلفون في رأي وفكر واجتهاد، ولا يمنعهم هذا الاختلاف وإن أشتد الى التنازع واتخاذ بعضهم بعضاً عدواً إلا في حالات نادرة حينما ينطوي الاختلاف على انتقاص شخصي او وقوع في عرض من يخالفه وهذا شأن الناس كلهم عامتهم والخاصة والغريب الا يخرج العلماء عن هذه الظاهرة كل العلماء في كل التخصصات وحتى العلماء في الدين وهم من كنا ننتظر منهم ان يعدلوا في مواقفهم من بعضهم بعضاً ولكنهم بشر كما هو كل البشر، فقد يبلغ بأحدهم الأثر ان خالفه احد فيما يقول ان يقع في عرضه وهو يعلم يقيناً ان هذا حرام نهى الشرع عنه ، فيقع حينئذ في محرم ظاهر فيعاب عليه.
هذا ما لاحظناه في القديم والحديث بين العلماء ، من نال مكانة عظيمة ومن قصر جهده ان يبلغها رغم ان العلماء دوماً يستحضرون حينما يذكر هذا الامر حديث سيدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ” (آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب، واذا وعد أخلف ، واذا أؤتمن خان، وإذا خاصم فجر) ، ولكن العلم بالشيء غير تطبيقه عملا كما هو ملاحظ.
وكم من خصومة بين عالم وآخر قادت احدهما الى لون من الفجور يخرج به من سمت العلماء الى صور الجهال خاصة اذا كان الاختلاف ضدياً، كأن يرى أحدهم أمراً مباحاً ويراه الآخر محرماً وقد يشتد من حرم في خصومته، وهو يظن ان انتقاص صاحبه صوناً لاحكام الله وقد تسمع منه اقذع هجاء المخالفة لم تسمعه قط من عامي.
وإذا كنا نعلم ان بين العلماء من يفسق لانه من البشر فلا نستغرب ان يقع من بعض العلماء ما ذكرنا واما اذا قل العلم وتسلق لمناصب العلماء جهال فهذا الصنف هو الاكثر والاعظم بين من قل علمهم او ادعوه وهم ليسوا من أهله، فكلهم يفجر في الخصومة وليس لديهم حد لها او ضابط، المهم عندهم ان ينتصروا على الخصم ولو ارتكبوا الكبائر من غيبة ونميمة ونشر اشاعة كاذبة وحكم على الغير بالهوى فاذا كان ذلك منهم على العلماء فهم عليهم أجرأ، لا يرتدعون عن ذم حاكم استحق الذم ام كان ذمه خطيئة وهم لذم جمهور بعضهم اكثر جرأة وأبلغ هجاء ينفرونهم عنه ويدعونهم لترك مجالسه، وتراهم يصنفون بعضهم بعضاً، حتى تشظى كل مذهب الى عدة مذاهب وتصبح الجماعة الواحدة العديد من الجماعات، وهو ما نراه اليوم في اوضح صورة وما عليك الا ان تتابع الساحة الدينية ترى ما نقول اوضح من شمس اشرقت في يوم صافٍ لا سحاب في سمائه ولا غبار.
والعالم الحق من يعلم أن ليس في العلم جدل فالجدل بالباطل قد يقود إلى محرمات لاشك في حرمتها والمرء يذهب بصاحبه إلى أردأ المآلات ، والعالم إنما هو وريث النبي – صلى الله عليه وسلم – يسعى مثله إلى هداية الناس وخير هداية بفعله لا بقوله فاذا نهاهم عن الشيء حتماً لم يأت بمثله واذا أمرهم بالمعروف كان هو ما يسعى لتحقيقه بنفسه، وحينئذ يقتدي الناس بقوله قبل فعله، واذا كنا اليوم قد اشبعنا هؤلاء الذين قل علمهم جهلا فإنا نتطلع الى جيل من علماء يلحقون بهم من الشباب يتخلقون بأخلاق هذا الدين ويلتزمون بأحكامه حقاً ويكفون ألسنتهم لا عن بعضهم فقط ، بل وعن الناس إذا وعظوا فإذا هم يعيشون في المجتمع الرضا، وإذا هم الذين عناهم الله بقوله : (إنما يخشى الله من عباده العلماء).
هم الذين سيعيدون للعلم هيبته وهم الذين سيشيعون الفضائل في أرجاء مجتمعهم ، فجعل اللهم بهم فقد طال انتظارنا.
Check Also
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …