الدعاء عبادة لا انتقام

الدعاء عبادة محضة لله عز وجل، يمتاز به عباد الله الصالحون، يدعونه خوفًا وطمعًا، امتثالاً لأمر الله تعالى، حيث يقول: (وادعوه خوفًا وطمعًا إن رحمة الله قريب من المحسنين) شرعه لهم ليكون عبادة له، تذللاً وخضوعًا، حيث قال: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)، وفيها تحذيرٌ من ترك الدعاء تكبّرًا وعتوًّا، «فالدعاء هو العبادة»، هكذا قال سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الإمام الترمذي عن النعمان بن البشير -رضي الله عنه-، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- قوله: (أفضل العبادة الدعاء).
والدعاء ليكون مشروعًا يجب ألاَّ يكون فيه عدوان، كأن تدعو على الغير ظلمًا، دون أن يصدر منه إضرار بك، أو عدوان عليك، فربنا يقول: «ادعو ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين)، فالذي يدعو على أهله وبنيه.. ظالم، والذي دعا على الآخرين دون سبب منهم في إيذائه.. ظالم، ومَن تصوّر أن غيره ظالم له، ولم يقع منه في الحقيقة ظلم له، إن دعا عليه فلا يتوقع أن يستجيب الله له، بل لعلّ ما دعا به يحور عليه، وهذا الذي يكثر الدعاء على الخلق -عاصيهم ومطيعهم- لأنهم لا يوافقونه على ما يدعو إليه، إنما هو معتدٍ في الدعاء، بإن الله لا يُستجاب له.
وكثير اليوم ممّن يدّعي أنه من الدعاة، ويشتغل بأمر سياسي يرجو لجماعاته أن تحكم باسم الإسلام، وغاياتهم أن تكون لهم السلطة على الناس بغير وجه حق، يعتلون المنابر ليدعوا على كل مخالف لهم في الرأي، ويظنون أنهم بمجرد هذا الدعاء ينتقمون منهم، وينسون أن شرط الدعاء ألاّ يكون عدوانًا على الغير، فهم يمارسون انتقامًا بالدعاء ليخدعوا العامة، ويظنوا أنهم بذلك ينالون من مخالفيهم، وهو ظن سوء؛ لأنهم ينسون أن الله عادل لا يقبل مثل هذا الدعاء، وقد رأينا هؤلاء يدعون على الناس منذ نشأت لهم جماعات وتيارات، إلاَّ أن الله حمى عباده فلم يتقبّل منهم، ولعلّ دعاءهم حار عليهم، فرأينا جماعاتهم تتشتت، ويعاقبها بما شاء ممّا هو عدل وإنصاف للخلق من تكفيرهم لهم، ودعائهم عليهم ظلمًا.
والعاصي الذي انحرف عن طاعة الله، يُدعى له بالتوبة، وأن يلهمه الله الطاعة، وكذا الضَّال من المسلمين، والمبتدع بدعة لا تخرجه من الملّة، كل هؤلاء يستحقّون أن تدعو لهم، لا عليهم. يقول القاضي عياض: (اختلف في الدعاء على أهل المعاصي، فأجازه بعضهم، وأباه آخرون، وقالوا: يُدعى لهم بالتوبة لا عليهم، إلاَّ أن يكونوا منتهكين لحرمة الدّين وأهله، وقيل إنما يجب الدعاء على أهل الانتهاك، في حين فعلهم ذلك، وإقبالهم، أمّا في إدبارهم فيُدعى لهم بالتوبة)، وهذا البلاء المنتشر اليوم بالدعاء على مَن خالفك الرأي، حتى في الصلاة في مثل التراويح والقيام، لا أظنّه إلاَّ محرّمًا، والإصرار عليه جهل بحقيقة الدين وغايته.
أمّا الدعاء للنفس، وللغير بجلب المنفعة، ودفع المضرّة فهو الدعاء المقبول -بإذن الله- فربنا عز وجل يقول: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الدّاعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)، وهو من يجيب المضطر إذا دعاه، أليس هو القائل: (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكّرون).
فلو أن هؤلاء الذين يدعون على المسلمين صبح مساء أصلحوا أحوالهم، ودعوا لأنفسهم ولإخوانهم لاستجاب الله لهم، وحقق للمسلمين آمالهم في وحدة صف وعمل من أجل أوطانهم ودينهم، هدى الله ضال المسلمين، وأعاده إلى دينه ليعمل له صادقًا مخلصًا، وهو ما نرجو، والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: