إنَّ خير ما يشتغل به المسلم -ولا شك- دعوة تجمع المسلمين ولا تفرِّقهم، فهي الأولى من كلِّ دعوة، وإنْ ظنَّ صاحبها أنَّها دعوة خير، فسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما جاء بدعوة جمعت المسلمين على كل كلمة سواء بينهم، فقد جمعهم على كلمة الحق التي هدتهم لخيري الدنيا والآخرة، واجتماع كلمة المسلمين في كل عصر وأوان تهديهم لكلمة الحق التي بها نهضتهم، وفيها قوتهم، ولا خير لهم في سواها البتة، فكل دعوة تفرقهم بسبب مذهب، أو منهج جاء به غير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا خير فيه، وإن زعم أصحابه أن الخير كله فيه، فما تفرَّقت الأمَّة وتشتَّت إلاَّ عندما تشرذمت، وأصبح لكل طائفة منها داعية، فمن جاء يدعونا لما جاء به سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبلناه، ومَن جاءنا بما يخالفه رددناه، وإنْ جاءنا بما يفرِّقنا ولم نجد له فيما ورثناه من العلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن صحابته -رضوان الله عليهم-، وعن علماء الأمة المشهود لهم بالاجتهاد، الذين أقرَّت الأمَّة لهم بالاجتهاد السادة الفضلاء الأئمة: أبوحنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، ومَن ورثوا علمهم من تلامذتهم الأبرار، فهو النهج السوي للبقاء على الإسلام الدِّين الحق، الذي جاء به إمام الرسل وخاتم الأنبياء سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وما تفرَّقت الأمَّة إلاَّ عندما تكاثر الدعاة، واختصَّ كل منهم بمنهج يخالف منهج الآخر، وعاب كلٌّ منهم منهج الآخر، فتعدَّدت المناهج وتكاثر الدعاة، وأصبح كثير من المسلمين أعداءً لبعضهم، ورغم ما قد يُقال بأنَّ المذاهب الأربعة حدث في العصور المتأخرة بين علمائها تشاحن، إلاَّ أنَّهم كلهم يعترفون بمذاهبهم، ولا أحد منهم يدعو إلى إسلام غير ما أتى به سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتشاحن قد يقع بين المؤمنين، وإن كان شرًّا؛ لذا حذَّرهم منه سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن المضر أن يبلغ حدَّ أن يكفِّر بعضهم بعضًا، فقد روى جرير -رضي الله عنه- قال: «قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: استنصت الناس، ثم قال: (لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، وإنّ تكفير المسلمين لبعضهم بعضًا مؤدٍّ حتمًا إلى اقتتالهم إلاَّ ما ندر، فتجنّب التكفير ما أمكن، وحمل أقوال المؤمن على خير محاملها أولى، فكما ورد في الحديث (لا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دمًا حرامًا)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)، بل إن حمل السلاح على المسلمين يجعله من غير المسلمين، فقد روى عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: (من حمل علينا السلاح فليس منا)، فكل دعوة تُفرِّق المسلمين، وتدعوهم إلى الاقتتال دعوة خارج دائرة الإسلام لا يرضاها الله لعباده، ولعلَّ المسلمين يكفّوا أيديهم عن بعضهم، فذلك خير لهم، وهو ما ندعوهم إليه، والله ولي التوفيق.