كلَّما فكَّرت في أمر الدعوة إلى الله، التي أوجبها على عباده المؤمنين العالمين بما يدعون إليه، حيث يقول: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)، وهي الدعوة التي أمر الله بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ)، والتي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)، أقول: كلما فكرت في أمرها، علمت أنَّها وظيفة العالمين بدين الله، المتخلِّقين بأخلاق الداعي الأول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأولى صفاتهم الصدق، فمن لم يكن صادقًا فيما يدعو الناس إليه، فلا دعوة له صائبة، فحينما يدعو الجاهل، أو قليل العلم الذي لم يدرك منه إلاَّ القليل، أو الكاذب الذي لا يعرف لسانه الصدق فدعوته ضرر على الأمة، لا نفع فيها، فالجاهل قد يدعوهم إلى أمر فيه الضرر العظيم عليهم، وعلى الدِّين، فهؤلاء الذين ينصِّبون أنفسهم دعاةً فيحرِّمُون على الناس ما أباح الله لهم، حتَّى ولو كان ذلك بحُسن ظن منهم، فضررهم على المسلمين عظيم، ومن هؤلاء مَن إذا حرَّم أمرًا لم يحرّمه الله، حُكم على فاعله بأنَّه مرتكبٌ للحرام، ودعا الناس أن يعادوه لظنِّه أنَّه فاسق، والحقيقة غير هذا، فيقع بين الناس العداوة والبغضاء بسبب جهله، وهذا الذي لجهله يظن من الأقوال والأفعال ما يكفِّر به الناس، وهي غير مكفَّرة، وينشر بين الناس ذلك عنهم فيكرهونهم، ولا ذنب لهم سوى أن جاهلاً وصمهم بذلك، وهذا اللون من الدعاة على مر الأعصار فرَّقوا بين الأمة، وأوقعوا بين أفرادها والجماعات منها العداوة والبغضاء، وقد يصل الأمر إلى أن يقع بينهم القتال بسبب ذلك، ونحن في عصر لم يعد الناس يتورعون عن عمل يجهلونه، وما عليك إلاَّ أن تتلفت حولك، وستجد من هؤلاء أعدادًا متكاثرة، يحسنون الظنَّ بأنفسهم، وهم يزرعون بين الأمَّة الفرقة الشديدة، وكان لابدَّ للحكومات في هذا العصر الذي كثر فيه الجهل -وللأسف- بالدِّين حتَّى بين مَن حملوا أعلى الشهادات العلميَّة، أن تضع من الشروط والضوابط للدعاة، حتَّى لا يسمح لأحد الاشتغال بالدعوة إلاَّ إذا توافرت فيه تلك الشروط، والتزم تلك الضوابط، وإني على يقين ألاَّ يبقى في الساحة إلاَّ العدد القليل ممَّن سمّوا أنفسهم الدعاة، ولكفى الناس شر الأدعياء الذين أضروا بدين الناس ودنياهم، والله ولي التوفيق.