الدماء التي تسيل والجهل بالدين

لا أشك لحظة في أن من أحب وطنه، لا يمكنه أن يدمره أو يقتل مواطنيه، بل يعمل على درء ووقاية أهله من كل خطر، ويفتح عيونه ليرى كل خطر قادم إليه، ليواجهه بشجاعة مع أبناء وطنه، أما عندما يقع الخطر بالقرب منه، ويقوم به جاره أو قريبه يراه يخطط له ويعد العدة للقيام به، ثم يدعي عدم العلم به، فلن يصدقه أحد وإن زعم ذلك، ولكن إذا أحس بالغدر منه اتخذ الحيطة فبلغ عنه القادر على درء خطره، فقد شارك بجدية في درء الخطر عن وطنه وأهله، وأما إذا حمل السلاح جاره أو قريبه ومن له به أوثق الصلة، ووقع منه الشر، فادعى أنه لا علم به، فقد خان وطنه وقل من يصدقه وإن اعتذر، ونحن اليوم في زمن تتكاثر فيه العداوات تبثها بين الناس دول وجماعات وتيارات تريد ألا يبقى أحد منا في وطنه ما لم يؤمن بما تؤمن به، وينشر بين الناس ما تريد هي نشره بينهم، وما كانت الأديان لترسخ في نفوس أتباعها مثل هذا أبدًا، فالأديان السماوية ما جاءت إلا لتحيي البشر في خير حال، فليس هناك دين صحيح يأمر بقتل الناس لمجرد الاختلاف في دين أو مذهب أبدًا، أو في رأي واجتهاد، فهذا أمر لا يأتي بشرع من الله الرؤوف الرحيم بالعباد، ولا يكون برأي من مؤمن آمن بوحي من السماء أبدًا، ولن تجد لذلك مثلًا في دين سماوي المصدر إلا إن كانت نصوصه حرفت أو أولت تأويلًا غير صحيح، فحتمًا هذا ليس بمشروع في خاتم الرسالات الإلهية، التي بعث بها سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فكل دعوة لشحن النفوس عداء للمسلمين أيًا كان مذهبهم أو تيارهم، فتيقن أخي القارئ أن هذا الدين الحنيف براء منها، وقد عاش المسلمون على مرِّ القرون منذ ظهور الإسلام وحتى يوم الناس هذا وعلماؤه يدعون دومًا ألا يحمل أحد منهم السلاح على أخيه المسلم وإن اختلف عنه مذهبًا، وما وقع بين فريقين من المسلمين قتال إلا لجهل بدينهم، بل إنهم يرون الفريقين المسلمين إذا بغى أحدهما على الآخر وجب القيام بالصلح بينهم إلا أن رأى الباغي الاستمرار في بغيه فوجب قتاله لردعه عن بغيه ألم يقل ربنا عز وجل: (وَإن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإن بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا) فالفرقة التي تبغى على الأخرى بظلم واضح جلي، يجب على المسلمين كافة الوقوف في وجهها حتى تعود، أما تلك التي تسعى للتغلب على الأخرى عبر انحياز إلى أعداء المسلمين الذين يعلمون أنها إذا انتصرت على الأخرى رعت لهم مصالح لا يقرها دين الفرقتين، فتلك فرقة تمردت على الدين لا على المتدينين به، وقد كثر في زماننا هذا، حتى رأينا من غير المسلمين أممًا تحرض بعض المسلمين على بعض، لعلمها أن قوة المسلمين في وحدتهم الدينية، وأن ضعفهم الشديد لا يتأتى إلا بتفرقهم في الدين ولا شك، وما استطاعوا في الأندلس النصر على المسلمين إلا عندما بثوا الفرقة بينهم وبادعاء أنهم يقفون مع مصالح فئة منهم ضد الأخرى، حتى خضع لهم بعض المسلمين وبغوا على إخوانهم فزالوا جميعًا، وانتصر عليهم عدوهم بأقل الجهود، وإن المسلمين إذا اجتمعت كلمتهم على رد العدوان والبغي على الضعيف منهم ولو وقع من إخوان لهم، ونصروا الضعيف وأقاموا العدل بين الفريقين، لما خسروا الكثير من قرون، ولو علم المسلمون أن الإسلام هو الباقي مهما ارتفعت الأصوات ضده، وأنه المنتصر في النهاية، لكفوا عن الاعتداء بعضهم على بعض، ولنصروا المبغى عليه منهم، ولأقاموا العدل بين المختلفين المتعادين عند كل اختلاف يقع ولنجوا جميعًا، وكانت الدائرة على عدوهم حتمًا، وإني لواثق أنهم سيدركون هذا ويصيرون إليه لا محالة فالإسلام باقٍ حتى تقوم الساعة فاحفظوه وحافظوا عليه تكونوا الأمة المنتصرة دائمًا، وفقني الله وإياكم لسواء السبيل.

About عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

Check Also

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: