العلم في الدنيا والدين يحتاج إلى المتخصص فيه لسبر غوره، والقول فيه بعلم، أليس ربنا عز وجل يقول: (قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)، وأليس يقول: (فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)، وأليس يقول: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِـلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ)، ثم يقول ربنا محذرا: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، أبعد هذا كله يأتي من يقول: إن الناس كلهم يتساوون، فكلهم يزعمن بجهلٍ أنهم متخصصون فيه –أي الدين-، ويوازن بجهل عظيم بين علماء الصحابة، وهم فيهم قلة، أفتوا وسألهم الناس فأجابوا، وجلهم لم يتعرض لما لم يعلم، فيظنهم كلهم سواء لذا يقول: «إن كلهم مختلفون في تخصصاتهم الدنيوية التي قامت بها معيشتهم، ولكنهم مجتمعون في معرفة العلم الشرعي»، ودليله يقول: «فيرد عمار على عائشة على ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين»، والصحابة رضوان الله عليهم مئة ألف ويزيدون، منهم العلماء المفتون، ومنهم من لم يرو حديثاً ولا أفتى ولا رد على أمثال هؤلاء، ثم إن القول بأن علم الدين ككل العلوم يحتاج للتخصص لمن أراد أن يتفقه فيه لا يعارض أن يتعلم الآخرون مثل تعلمه، ويتخصصوا فيما تخصص فيه، ولا يعني التخصص في الدين أن المتخصصين فيه يجب أن يكونوا في مدرسة واحدة يعيبها القائل بأنها ستقضي على العلم بالحفظ والتكرار، وهل التخصص في أي علم آخر غير علم الدين يقتضي هذا، أم هو ظن الجاهل بحقائق العلوم، ولم يقل أحد منذ ظهرت علوم الدين وتخصص في كل علم رجال من طلبة العلم أن غيرهم ممنوع من تعلمه، وأن يبلغ غاية العلم فيه، وإذا توهم أحد ذلك، فلابد أن يوقظه العقلاء، فهذا التراث الضخم في علوم الدين الذي تركه العلماء المتخصصون فيه، منذ ظهور هذه العلوم وحتى يوم الناس هذا، وهو علم مباح النظر فيه، وتعلمه للمسلم وغير المسلم، فها هي جامعات الغرب فيها أقسام للعلم الديني الإسلامي، منهم من يحسن العلم به ومنهم المتعثر ومنهم صاحب الغرض الذي لم يرد سوى تشويهه، كما يصنع بعض المسلمين وللأسف اليوم، ولا يصغى إليهم العقلاء من المسلمين في شتى أقطارنا المسلمة، والقلة الذين يتلقفون أكاذيبهم عن هذا الدين يظنون أنهم بأصوات هؤلاء سيقضون على علم الدين، وهو ما لم يتحقق أبداً، ولن يتحقق.
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …