مَن لم يطلع على علوم الدين، ولم يتعلمها أصلا رغبة في التخصص فيها، وما تعلم منها إلا قدر ما كان التعليم العام يمنحه إياه عبر سنوات، تمحو كل سنة ما حصله في السنة التي قبلها، حتى إذا التحق بالجامعة، واختبرته فيما درسه منها أثناء تلك السنوات، لم تجد حصيلته منها يساوي شيئا يمكن الاعتداد له، وهو لو ترك الثانوية وقد حفظه كله عن ظهر قلب، لما أهَّله ذلك أن يكون عالما بالدين، فكيف به إذا ادّعى الاجتهاد فيه، ثم إذا تخصص في الجامعة في علم بعيد عن علوم الدين، وحتى لو حصل فيه على درجتي الماجستير والدكتوراه، فإن هذا حتما لا يؤهله أن يكون عالما بالدين، فكيف به إذا ادّعى الاجتهاد فيه، ولكنها الأوهام في رؤوس الكثيرين ممن شرعوا أقلامهم لمهاجمة الدين وأهل العلم به، وكتاباتهم تفضحهم ألا علم لهم بالدين أصلا ولا بأحكامه، ووقوعهم في الأخطاء الفادحة حين الكتابة عنه تدل على أنهم لا يصلحون لمهمة الاجتهاد في الدين، لأنهم في الحقيقة لا يعرفون الاجتهاد ولا شروطه ولا ضوابطه، وإنما يهذون عنه بجهل تام، وعلة ذلك أنهم لا يسيغون أحكام الشرع، بل وينفرون منها، ونحن اليوم نقرأ لهم ما ينفون به ما ثبت بالضرورة من أحكام الدين، بل إن ما ثبت بنص قرآني قاطع في الورود وفي الدلالة، ينفون أن يكون من أحكام الإسلام بجهل عظيم يتراكم يوما بعد يوم، وهذا الصنف من الناس المهاجمين لأحكام الشريعة وجدوا في الماضي، وهم اليوم موجودون، وفي المستقبل في ظني سيوجدون أيضا، ولكنهم حتما لن يغيروا من أمر الدين شيئا، فالدين ثابت في النفوس والقلوب والعقول لا يزحزحه منها كلام مبني على جهل، مهما تعاظم نشره، والإسلام كدين لقى من الذين كرهوه حربا شعواء لم تنجح على مر القرون، تذكروا أشد المحاربين له في بيئة انتشاره الأولى بالمدينة في عهده – صلى الله عليه وسلم – وهم المنافقون، فقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قيل له: ألا تقتلهم قال: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، وتركه لهم دون عقوبة فيه آنذاك مصلحة شرعية تأليفا للقلوب حول الدعوة الناشئة، وحتما قد علم أن نفاقهم لن يضر الدين آنذاك، لأن الدين محمي بما أراد الله عز وجل من نشره بين الناس، حتى عمّ أقطار الجزيرة رغم كل ما كانوا يبذلونه من أجل تنفير الناس عنه، وهو اليوم في النفوس ثابت لا يتزعزع، وإن كان هناك أعداد قليلة لا تريد أن تبقى أحكامه مصانة، لأنها في نظرهم تمنعهم من التمتع بالشهوات والرغبات الآثمة، وتبذل في سبيل ذلك كل جهد يمكنها بذله، إلا أنها لم تنجح ولن تنجح، فالله الذي بعث به محمدا صلى الله عليه وسلم هو الحافظ له حتى تقوم الساعة، ولكن الرد على ما من يهاجم أحكام الإسلام وتشريعاته مهمة العالمين به وبها، وليس لهم أن يصمتوا على العدوان عليه أبدا، فما سهل الله لهم طريقا للعلم به إلا وقد كلفهم ذلك بألا يصمتوا على باطل يروج عنه أيا كان مصدره أو قائله أو ناشره، فعليهم أن يبذلوا جهدهم في بيان الحق لعباد الله، حباً في الله عز وجل، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ثم حباً في عباد الله، ودرء خطر أن يقعوا في الإثم وهم لا يعلمون، وليسهروا على إيصال ذلك للناس ولا يؤذون أحدا من خلق الله أبداً، غفر الله لنا ولهم، ولكافة عباده المؤمنين.