إنَّ محاولات التهوين من الأحكام الشرعيَّة، أصبحت اليوم منتشرةً، والاعتراض عليها، بل وذمَّها أصبح عادةً لبعض مَن أضلَّهم الله، ونحن نتابع أقوالاً يردِّدها بعض الذين تبرَّموا من أحكام الدِّين، ورأوا فيها -والعياذ بالله- اعتداءً على حرِّياتهم، حيث تولَّد في نفوسهم عداء شديد، وكراهيّة لأحكام الدِّين، فلهجوا بشتم علماء الدِّين في كل العصور، واتَّهموهم بالكذب حينًا، وبالتشدُّد أحيانًا أخرى والقضيَّة لا تعدو أن تكون على ما اعتبروه قيدًا على تصرُّفاتهم، تحل لهم، وتحرم عليهم، وهم يتأذون منها، ولا يريدون قيدًا على تصرُّفاتهم، فيذهبون في العداء لهذا الدِّين الحنيف حتَّى يلصقوا به كلَّ عيب، وإذا نُبِّهوا إلى سوءِ تصرُّفهم قالوا: إنَّما نريدُ صحيحَ الدِّين، لا دين الفقهاء، والمحدثين، طمعًا -والعياذ بالله- في إبطال الشرع؛ حتَّى ينجوا منها، فهي -في نظرهم- قيودٌ على تصرُّفاتهم، التي يريدونها بلا ضابط، ولا قيد، ومن هؤلاء أستاذ أزهري، ويؤسفني أنْ أقولَ هذا، فمشايخي الأزهريون يعلمون ما أكنُّ من تقدير واحترام لهم، أمَّا هذا الرجل، فما رأيت بين الأزهريين مثله، ليبيح ما حرَّم الله، يخترع من الألفاظ والأساليب ما لم يسبق لعالم أن تفوَّه به، أو حرَّره في كتاب، فهو يقول مثلاً: (إن توهم الناس إمكان الإدلاء بالأحكام الشرعيَّة من النصوص مباشرةً، وممَّا عزهم بهذا الوهم ظاهر تعريف الأصوليين للحكم الشرعي: بأنَّه خطاب الله المتعلِّق بأفعال المكلَّفين بالاقتضاء، أو التخيير، أو الوضع)، فهو ليتوسل إلى أن ينفي أنَّ الحكم مصدره أدلة الشرع من الكتاب، والسُّنَّة، والإجماع، والقياس، فلا تكليف بنصٍّ، وإنَّما -كما يدَّعي- باجتهاد الفقهاء؛ ليحلّ ما يقوله مثله محلَّ النصوص الشرعيَّة، ولا عالم يقول بمثل قوله أبدًا، ومهما حاول -هو وأمثاله- أن ينكروا من أحكام الدِّين ما ثبت بالضرورة، فلن يستطيعوا أن يقنعوا عامَّة الناس بذلك، ولا أقول علماء الأمَّة العاملين بما علموا، الساعين لصون الدِّين عن قول كل جاهل، أو مغرض، يريدون هدم أركان الدِّين، وقد كتب بحثًا عن الردَّة دعاه إليه ما يقول: (إنَّ قضية الردَّة من أشدِّ القضايا سخونة في هذا العصر، خاصَّة بعد الاتجاه العالمي الحاشد نحو التعايش السلمي في ظاهرة حضاريَّة فارقة)، وهو يعلم أنَّه يكذب، فالظاهرة التي أشار إليها إنَّما هي ظاهرة لمنع المسلمين من الالتزام بدينهم، ويكفي في ذلك ما يعانونه في الغرب من عداء لهم، ولدينهم، وصوره لا تُحصى، ولكنَّه ينافق الغرب، وما علم المسكين أنَّ الغربَ لا يعنيه أمره، وتجد لجهله ما يثير العجب مثل قوله: قال بعض الناس: (إنَّ الحرابة هي الردَّة،؛ لأنَّ آية الردَّة نزلت في المرتدين من العرنيين)، وهل يعتمد في الرأي الفقهي قبل الشرعي، وكلاهما عندنا شيء واحد، لا نتلاعب بالألفاظ، فلسنا دعاة باطل مثله، على أقوال الناس، أم أقوال العلماء المجتهدين، لكن مَن يريد باطلاً لا يهمّه ما يقول، فالردَّة شيء، وحدُّ الحرابة شيء آخر، وهو يعلم ذلك، ولكن التشويش على الأحكام عادته، وهو -بإذن الله- مؤاخذ عليها بين يدي رب لا يظلم، ثمَّ يقول بجهل بالغ (يرى بعض أهل العلم أنَّ الردَّة عمل عادي في الدنيا؛ لأنها من اختيار المكلَّف في دار العمل)، فمن هو القائل بهذا؟ فلا أحدَ من علماء هذه الأمة المرحومة يقول إنَّ الردَّة عمل عادي للمكلَّف في الدنيا، ولكن حب الوصول إلى إباحة الارتداد عن الدِّين، الذي يسعى إليه يوبقه في المهالك، ويقول: إنَّ قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (أُمرت أنْ أقاتلَ النَّاسَ حتّى يقولُوا لاَ إلهَ إلاَّ الله)، لا يعني القتال بالسلاح، وإنَّما المراد بمقاتلة الناس هو تحمُّل صدَّهم للدعوة. ففي اللغة: قَاتَلَ للدفاع عن رأيه، تحمَّل المشقَّة، والقتال للدفاع عن الرأي المجرد، شيء، والقتال لدفع الأذى عن الدِّين والمتدينين به، شيء آخر، ثمَّ مَن قال هذا؟ وفي أيِّ مصدر قرأه؟ وبحثه هذا الذي وضعه على الإنترنت، وهو بعنوان: (موقف الإسلام من الردَّة)، وكان الأولى به أن يقول: هذا موقف سعد الدين مسعد الهلالي، ويقول: سنسير في هذا الفصل على منهج المتمسكين بالأدلَّة النقليَّة، على أنَّها أحكامٌ شرعيَّة متعلِّقة بالمكلَّفين بذات الخطاب، لا بأثره المفهوم عند المجتهد، وهي محاولة يائسة لا أصل لها في العلوم الشرعيَّة لتبيح أن يقول ما شاء على أنَّه أثر الخطاب الذي فهمه المجتهد، ومع كل فعل من تشويه للأحكام الشرعيَّة يقول: (ولا يجوز لأحد من المكلَّفين أن يكون اختياره للأحكام الشرعيَّة العمليَّة حسب الهوى والتشهي؛ لأنَّ العقلَ، وغلبة الظنِّ هما مناط التكليف، وليس الهوى)، ولم أرَ لهذا بحثًا إلاَّ وهو نتاج الهوى، لا كما يقول -عفا الله عنه، وأعاده إلى الصواب، وعفا عني- فقد أردتُ -فقط- التنبيه على الأخطاء، وأمر العباد إلى الله، مَن أراد حاسبه، ومَن أراد عفاه، وهو ربي القادر على كل شيء، وفَّقنا ربنا لما يحبُّه ويرضاه، إنَّه سميع عليم.