حينما نفقد مَن نعرف بالوفاة، وهي حق في حياة كل حي، مصيره حتمًا إليها، إلاَّ أنا نحزن للفقد، ونبكي الفقيد، ونحن نعلم أنا سنلحق به حتمًا، ونجد من الواجب علينا أن نقول عنه ما نعرف، ونذكر له كل ما فعل من الخير، نتذكر محاسنه ونغض الطرف عن مساوئه، فقد أفضى إلى حياته الأخرى، ولقى ربه، وهو أرحم منا به، بل وأرحم بنا من أنفسنا، وتبًّا لمن لا يتذكر عن موتى المسلمين إلاَّ مساوئهم، ويقينًا أن من تولوا المناصب العليا من أحبابنا، وأهل بلدنا يجدون من بعض سفهاء زماننا ما نهى الله عنه، ورسوله صلى الله عليه وسلم -فسبّ الأحياء، وشتمهم، أو انتقاصهم، وغيبتهم.. كل ذلك محرّم أشد التحريم، بل هو من كبائر الذنوب، فكيف إذا كان هذا لمَن مات، ولقي ربه، وهو بين يديه اليوم، يحكم في أمره بما شاء، هو ربي الرحيم بعباده، الذي وسعت رحمته كل شيء، فهو يقول في محكم كتابه: (قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)، فمن رحل عن دنيانا، وغاب عنا لا يستطيع أن يرد على مَن يسبّونه، بدل أن يدعو له، ويشتمونه ويتهمونه بتهم لو اتّهم بها وهو حيّ لاقتص ممن اتّهمه بها، ويظن هذا أنه بسبه وانتقاصه سيسلم من ذلك، ولم يعلم أن وراء ذلك ربًّا اسمه العدل، سيقضي بينهما يوم لا مال ولا بنون، ومن تجربتي في الحياة أنه ما خاض أحد في أعراض الموتى من عباد الله، إلاّ ووجد مَن يخوض في عرضه، عندما يؤول أمره إلى ما آل إليه من انتقصه جزاء وفاقًا، ولو أن مجتمعنا هذا وجد بين أهل العلم، ومثقفيه، وأدبائه مَن يقومون بتوعية الناس فيه لما وجدنا مثل هذا السلوك ينتشر بين أفرادنا، وخاصة إذا كان ما يردد من تهم لمن رحل عن دنيانا من نوع: أكل الأموال العامة، أو ما شابه، ولو طلب ممّن يتهمه بها البيّنة على ما يقول لعجز عن إحضاره، ولحُكم عليه شرعًا بأنه قذفه بما ليس فيه، فالناس استمرأوا هذا الأسلوب حتى أنه لا يسلم أحد من موتانا من ذامٍّ له منهم بتهم، وسيحاسبه الله عليها يوم يقف الاثنان بين يديه، ونصيحتي للخاصة قبل العامة: كفّوا عن الخوض في أعراض المسلمين أمواتًا وأحياءً، فلهم، ولكم رب ستتحاكمون إليه، وينصف بعضكم من بعض، واتقوا الله لعلكم تُرحمون، فلا خير في هذا السلوك، فهو يؤذي الميّت، وممّا يرثه من الأحياء، وسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات).. أو له روايات كثيرة بألفاظ مختلفة، فكفّوا عن هذا.. وفقكم الله.