من الأمانة أن يحصل الفقير على حقه في أموال الأغنياء كاملاً غير منقوص، فقد جعل الله له في أموالهم حقًا معلومًا
إن فرض الزكاة في الإسلام ولا شك هو معالجة حاسمة للظاهرة المقلقة بشريًا وعلى كافة المستويات المسماة الفقر، الذي ما ارتفعت نسبته في أي مجتمع إنساني، إلا وتعددت مشاكله، فالبيئة التي ينمو فيها الفقر تكون مرشحة للاضطرابات، لأن قسوة الفقر على النفس البشرية تولد لها أمراضًا نفسية عديدة، أول مظاهرها وأشدها خطورة وفتكًا بالمجتمعات البشرية، هو الصراع بين الطبقات، فالفقير ينظر إلى الغني بشيء من العداء، مادام هذا الغني يستمتع بالأموال دونه، ولا يلتفت إليه، ولما يعانيه من ألم الحاجة، ولهذا فكل البشر يبحثون عن وسائل لمعالجة الفقر في مجتمعاتهم، درءًا لهذا الخطر، حتى لا يتحول الصراع فيها بين الطبقات إلى صراع عنيف مدمر، ولكن الإسلام بأحد أركانه الخمسة (أداء الزكاة) التي تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء عالج هذه المشكلة بما يمحو ما في نفوس الفقراء تجاه الأغنياء، وبما يجعلهم إخوانًا، والزكاة إن تم تحصيلها تُجمع في صندوق خاص بها، وتُنفق من حصيلتها على الفقراء موفوري الكرامة، حتى لا يبقى فقير، أو على الأقل تحصره في أقل عدد ممكن، وحتى يختفي الفقر تمامًا، وقد مر في تاريخ الإسلام أن وصل المسلمون إلى حد من الرخاء لا يجد الغني في الدولة من يأخذ الصدقة منه، لكفاية الفقراء بما أخذوا من الزكاة، والذي لا شك فيه أننا بحمد الله من أغنى دول منطقتنا، حيث يقدر دخل الفرد بستة عشر ألف دولار، وقد نُشر مؤخرًا أن مصلحة الزكاة والدخل قد جمعت من أموال الزكاة، العام المنصرم ما بلغ عشرين مليار ريال، ورغم كل هذا فالفقر موجود وملاحظ، ويشكو بعض مواطنينا مر الشكوى من قسوته، ونحن جميعًا ندرك أن له نسبة في بلادنا غير قليلة، وإن كنا لا نملك لذلك إحصاء، لأنه لم تعلن قط عنه إحصائية تبين نسبته بين السكان، حتى أن خادم الحرمين الشريفين وفقه الله قبل أعوام شعر بوجود الفقراء ورأيناه يزور في العاصمة منطقة يقطنها الفقراء، وأمر بإنشاء صندوق للفقراء، أعلن أنه أودع فيه مائة مليون ريال للدراسات فقط، ثم لم نعلم بعد ذلك عن هذا الصندوق شيئًا يذكر، ولم نقرأ أي دراسات صدرت عنه عن الفقر في بلادنا، ولا عن خطة لمواجهته ومكافحته، حتى صدمنا هذا الخبر بأن حصيلة الزكاة هذا القدر الذي صرف في عام واحد، ولا ندري أين ذهبت، ولماذا تبقى في مدننا وقرانا وبوادينا صور من الفقر، ولا نستطيع أي شيء تجاهها، والأعوام تمضي ولا حل لهذه المشكلة سوى الوعود التي لا تتحقق، ولنتذكر أن ربنا عز وجل يقول: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)، ومن الأمانة أن يحصل الفقير على حقه في أموال الأغنياء كاملًا غير منقوص، فقد جعل الله له في أموالهم حقًا معلومًا بنص الكتاب والسنة، ثم لنتذكر أن كلنا مسؤولون أمام الله عن هؤلاء الفقراء، كيف لم نعنهم ونخرجهم من حد الفقر إلى أولى درجات الغنى، من مال بيت المسلمين ومن بيت مال الزكاة، وأن نسعى ألا يبقى بيننا فقير إن كنا حقًا مؤمنين، وسيدنا رسول الله يقول وهو ولي أمر المسلمين وحاكمهم حينما كان حيًا بينهم: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم في كتاب الله، فأيكم ترك دينًا وضيعة فأنا أولى به)، ولنتذكر قول الله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم)، ونحن إذا أسرعنا في معالجة هذه المشكلة كسبنا للوطن استقرارًا وأمنًا، ودفعنا بأقل طبقات المجتمع إنتاجًا إلى أن يكونوا أفرادًا منتجين، فقد كان يعطى الفقير من مال الزكاة ما يغنيه فيعمل ويكتسب حتى لا تعود به حاجة أن يمد يده أو ينتظر صدقة، فهل نفعل؟! هو ما أرجوه، والله ولي التوفيق.