من كان له رأي ألا يتزوج السعودي من خارج بلاده فليلتزم بذلك دون أن يسيء للناس..
لا أشك لحظة أن الزواج الشرعي لم يجعل له شرطاً ألا تتزوج من خارج بلادك، فالمعلوم بداهة أن الأصهار بين المسلمين بمختلف جنسياتهم ومذاهبهم هو أمر مباح، لا يستطيع أحد تحريمه، كما أن زواج المسلم من كتابية مباح بنص الكتاب، ولا يستطيع أحد أن يحرمه، ويبقى أن النكاح في أصله عند الجمهور مباح، وإن رأى بعض العلماء أنه سنة، ولكنه على كل حال ليس فرضاً، ولولي الأمر أن يقيده في بعض الأحوال باجتهاد إذا رأى أن في زواج معين من معينة ضرراً يقع على أحدهما أو كليهما، أو في اجتماعهما ضرر على المجتمع، فالزواج بغير السعودية وزواج السعودية بغير السعودي إذا وضعت الدولة باجتهاد شرطاً أن يحصل من يتزوج على إذن خاص بذلك، دفعاً لأضرار قد تقع، فهذا مقبول في حدوده. ولكنه ليس تحريماً أبداً، فاختيار الزوج زوجته، واختيار الزوجة الزوج، حق لهما مادام قد توافرت الشروط والأركان وصح العقد، وقد ظل الأصهار بين المسلمين منذ ظهور الإسلام وحتى تقوم الساعة أمراً مباحاً، وهو أمر مطلوب يقرب بين المسلمين ويوحدهم في زمان ازدادت فيه الفرقة بينهم، ونحن في مكة والمدينة عبر الأعصار يتوجه إلينا المسلمون من شتى أقطارهم كل عام أفواجاً وتنشأ بيننا وبينهم المودة والمحبة، فيتزوجون منا ونتزوج منهم، حتى كانت المدينتان المقدستان ذات ثقافة متنوعة تمثل ثقافات المسلمين كلهم تنتقل إليها الثقافة والعادات، ومع سهولة الانتقال من بلد إلى آخر أتيح لأهل بلادنا التعرف على مجتمعات غير مجتمعاتهم، وقد يعجب السعودي المسافر بامرأة في بلد آخر فيخطبها ويتزوج بها، ونرى اليوم في بلادنا وفي سائر مدننا ظاهرة الزواج من غير السعوديات، كما نرى ظاهرة زواج السعوديات من غير السعوديين، والحياة تستمر، وهذه الزيجات مثلها مثل زيجات السعوديين بالسعوديات منها ما ينجح في تكوين أسرة سعيدة مستقرة، ومنها ما تعترضه مشكلات ويفشل، بل إن في مجتمعنا من هذه الزيجات ما مضى عليه عشرات السنين ونتج عنه أولاد وبنات سعداء، فوقوع المشكلات لا يعود في الغالب لاختلاف الجنسيات، بل له عوامل أخرى تحدث في بيئة متجانسة للزوجين من بلد واحد أو من بلدين، وللأسف أنه اليوم تظهر دعوات مغلفة بلون من تزكية للسعوديين، تطالب بمنعهم من التزوج بأجنبية، لأنها ترى في الزواج منها ما يوقع السعودي في فساد كما هو الزعم الذي يردده البعض هذه الأيام، وتأتي العبارات مسيئة لشعوب عربية ومسلمة بل ولبعض النساء دون حاجة لذلك، فمن له رأي ألا يتزوج السعودي من خارج بلاده فيلتزم بذلك دون أن يسيء للناس، وإذا كان أحد السعوديين قد أساء اختيار زوجة من بلد آخر فظهر أنها سيئة السلوك مثلاً، فهذا ذنبه هو لا تتحمله هي فيشهر بها، أو يقع أحد في عرضها، أو يساء إلى بلدها بسبب سوء الاختيار هذا، وفي كل بلد السيئ السلوك، الذي لا يرتضي أحد الارتباط به، والزواج من أهم الأحداث في حياة الفرد، ومن يسيء الاختيار هو المسؤول عن ذلك وحده، والكل يعلم أن هناك مشكلة عامة لعائلات فيها أبناء وبنات سعوديون، تزوج أباؤهم نساء في بلدان أخرى، فلما أنجبن هرب الآباء وتركوهم مع الأمهات دون عائل في بلد أمهن، ومن هؤلاء في مصر وسوريا واليمن وإندونيسيا وغيرها من البلدان أعداد لا بأس بها، ولهذا نشأت جمعية خيرية اسمها أواصر لحل مشكلات هؤلاء الأبناء وللصرف عليهم، وسعت مع الحكومة لاسترجاعهم لوطنهم، ومثل هؤلاء الآباء غير المسؤولين والمتهاونين في حقوق الأبناء والزوجات يجب أن يحاسبوا نظاماً على ما فعلوا وينالوا العقوبة الرادعة، التي تمنع أمثالهم من إتيان نفس الفعل، فترك هؤلاء دون أن يحاسبوا ستجعل غيرهم من العابثين يقومون بالإساءة إلى أسرهم وإلى مجتمعهم، لا أن نحمل النساء الضعيفات ذنباً لم يرتكبنه، والذين يتحدثون عن بعض السعوديين العابثين الذين ينتج عن عبثهم ولادة أطفال يلتحقون بأمهاتهم، وقد ينشأ الناشئ منهم على غير دين الإسلام، وفي بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية المساكنة بين امرأة ورجل من غير زواج مقبولة، وينسب الأبناء إلى الآباء والأمهات عبر وسائل منها الاعتراف بهم أو التحليل الذي يثبت من خلاله انتساب الابن إلى أبيه، مما يعرض هؤلاء العابثين أن ينسب إليهم هؤلاء الأطفال ضد رغبتهم عقوبة لعبثهم فينفقون عليهم وهم مع أمهاتهم. فهذه القضية يجب أن يتوقف الجدل حولها، فلا أحد يجبر على أن يتزوج امرأة لا يرضى الارتباط بها، ومن يسعى إلى امرأة ليرتبط بها فعليه أن يتحمل مسؤولية اختياره فلسنا ملائكة وسوانا شياطين، فهل أدركنا ذلك هو ما أرجو والله ولي التوفيق.