في اللغة: سخر من منافسه: هزأ به ولذعه بكلام تهكمي واحتقره، ومنه قول الله تعالى: (إن تـَسْخَرُوا مِنَّا فَإنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ). وحقر الشيء: استصغره ونظر إليه بازدراء. وحقر الرجل أو العلم هان قدره عنده.
فكلاهما يكاد أن يكون معناهما واحداً، فكل فعل منهما يقود في معناه إلى الآخر، فمن سخر من أخيه فقد احتقره، ومن احتقره فهو يزدريه ويسخر منه.
لذلك فقد حرم الله السخرية بالآخرين فقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
وفي كتاب الله إشارة للعقلاء أن يدركوا أنه من يسخر من غيره إنما ختله الشيطان حتى ظن أنه خير منه فاشتد احتقاره له، لذا نبهه القرآن إلى أن من يسخر منهم قد يكونون خيراً منه في الحقيقة، فلينهَ نفسه عن هواها، وليمنعها من التعالي على خلق الله وازدرائهم، ونهاه الله عز وجل أن يلمز غيره بعيب أو نقص، أو أن ينبزه باسم أو لقب احتقارا له، وسمى هذا فسوقاً، والفسق الدرجة التي تسبق الكفر، وأخيرا حذره أن يستمر في فعله هذا القبيح وأن يتوب عنه، والمصر عليه سماه ربنا ظالماً، فكيف بمن يسمي السخرية فناً وإبداعاً ويحث الناس عليها.
فلن تكون السخرية إبداعاً لأن من يسخر من الآخرين يستخدم أساليب فنية تجعل سخريته أكثر إيلاماً لهم، وحاشا الإبداع أن يكون كذلك.
والحق أن ما حرم الله لن يكون نافعاً لأحد من عباده، وإن ادعى ذلك الجاهلون، كما أن النقد شيء مختلف تمام الاختلاف عن السخرية بالخلق المؤدية إلى احتقارهم، وإضحاك الناس عليهم.
وكثير من الساخرين يكذبون لإضحاك الناس ولا يعلم أن سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ويل له ويل له)، ولاشك أن الكذب من الكبائر ومن صفات المنافقين وهو يدخل غالباً في السخرية من خلق الله، فما أعظم إثم الساخر من عباد الله وإن زعم أنه يمارس فناً أو إبداعاً.
والاحتقار في الغالب هو نتيجة للسخرية وسيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا وأشار إلى صدره ثم قال: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).
والذي لا أحد يشك فيه أن من يسخر من غيره هو في نفسه ينظر إليه أنه أدنى منه، ومن هنا فهو يحتقره.
والبشر كل البشر ينظرون إلى أنفسهم نظرة تقدير واحترام، ويتمنى أن يحترمه الآخرون، ولكن هذا لا يتحقق إلا إذا احترم غيره وقدره فالناس جميعاً سواسية، ما لم يرتكب أحدهم من السلوك الشائن أو يأتي من الرذائل ما تجعله أدنى.
والذي لاشك فيه أن من يسخر من الناس سينتظر لا محالة سخريتهم منه، ومن يحتقرهم فلينتظر احتقارهم له، فالإنسان الذي كرمه الله بأصل خلقه لا يرضى من الناس أن يحتقروه أو أن يسخروا منه، ولعل هذا مما يولد بينهم البغضاء والكراهية، المؤدية حتماً للتعادي الذي نتائجه مكلفة إنسانياً.
ولكن في مجتمعنا المسلم من يرى الخير كل الخير في ما قذفه إلينا الغرب، فإن كانت السخرية فيه فناً فيجب أن يكون لدينا فن ساخر وأدب ساخر، ولو كانت السخرية من فعل قبيح أو سلوك دنيء لكان ذلك خيراً كثيراً، يدفع الناس إلى أن يتخلصوا من كل ما هو قبيح من الأفعال، ودنيء من السلوك.
ولكن الذي انتقل إلينا السخرية من الأفراد أيا كانت مقاماتهم واحتقارهم، فازدادت الشقة فيما بيننا، فالساخر له مؤيدون وأنصار، والذي سخر منه له مؤيدون وأنصار.
والحتم أن الصراع بينهما قد يتجاوز التأييد إلى بغضاء وكراهية يتبعها ما لا تحمد عقباه.
فالحمد لله الذي هدانا للإسلام وجعل الخير في اتباع قيمه وآدابه وإنفاذ أحكامه.