لقد تعرضت السنة منذ قديم الزمان إلى هجومٍ حاد من أعداء الإسلام، لعلمهم أنها المصدر المبين والمفسر والمفصل لما جاء في القرآن الكريم، وأن العمل به لا يتم إلا من خلال فهم أحكامه فيها، فهدم السنة -المستحيل بإذن الله تعالى- هدم للقرآن، والذي لن يتحقق أبدًا، فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حرص على إبلاغ هذا الدين بجناحيه -كتاب ربنا وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام- لنا، حتى ثبت فهمه في النفوس والعقول، وتناقله المسلمون عبر العصور، ومعه مثله من ما جرى على لسان نبيه وهي السنة، ولم يفرقوا بينهما، كما جاء في الحديث الصحيح (إني تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي)، والرسول صلى الله عليه وسلم بنص القرآن لا ينطق عن هوى، فالله عز وجل يقول: (وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى* مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى* إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى)، فربنا عز وجل أنزل الكتاب وتعهد بحفظه، أليس هو القائل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، والقرآن والسنة صنوان لا يفترقان حتى يوم القيامة، وإن توهم الجاهلون غير ذلك، والمسلمون يعملون بهما معًا، لأن العمل بأحدهما دون الآخر مستحيل عقلًا وشرعًا، فأنت لا يمكنك العمل بالمتن دون الشرح، ولا بالمجمل دون ما يفصله، ولا العمل بالشيء دونما بينة، لذا نبهنا صلى الله عليه وسلم لقوم يريدون التفرقة بينهما وحذرنا منهم فقال: (يوشك أن يكون أحدكم متكئًا على أريكته فيحدّث بحديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما فيه من حلال حللناه وما فيه من حرام حرمناه ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله)، وكل المحاولات عبر الزمان للعدوان على السنة النبوية والتشكيك فيها باءت بالفشل، ولن تنجح أبدًا، فالإسلام لا يقوم إلا بهما معًا، وهذه الهجمة الشرسة اليوم سبقها من الهجمات الكثير، أصحابها اليوم في القبور قد عفا على أبدانهم الزمان فغدت ترابًا، والمسلمون يتدارسون القرآن والسنة معًا، ولا يتوهم أحد أن هذه الهجمة ستؤثر على السنة النبوية، فهذه محاضنها في بلاد المسلمين لا يحصيها العد، وهذه حلقات الدرس لحديث النبي سندًا ومتنًا تعقد في سائر بلاد المسلمين، في المدارس والجامعات والمساجد، بل والبيوت أيضًا، وسيظل المسلمون على ذلك حتى تقوم الساعة، وسيذهب الواهمون، ويبقى وهج السنة يسطع في سماء المسلمين، والعلم بها قائم، في الصدور والطروس، وهذه شروح السنة لا حصر لها تتداول ويقرأ فيها طلاب العلم بالليل والنهار، ولن يكفوا عن ذلك مهما ارتفعت أصوات أعداء السنة، فهي باقية حتى تقوم الساعة.