من حسن حظي أن تعرفت على علماء صالحين همهم كله العلم، ولا يشغلهم في الحياة سواه يبثون بين الناس قيم الدين الحنيف ومحاسنه، وهؤلاء من أعانوني على الثبات على مبادئ لم تتغير منذ كنت على مقاعد الدرس وحتى اليوم وأنا في مرحلة من العمر تجعلني بإذن الله لا أقول إلا ما أراه حقًا.
من هؤلاء العلماء الأبرار شيخنا عبدالله بن الشيخ محفوظ بن بيه، والذي كان والده من أشهر علماء بلاده، فانصرف إلى تحصيل العلم منذ نعومة أظفاره، وفي بيت علم ورع، فنهل العلم على يد علماء بلاده آنذاك، فأخذ علوم العربية عن الشيخ محمد سالم بن الشين، وعلوم القرآن عن الشيخ بيه بن السالك، ودرس جميع العلوم الإسلامية في محضرة هؤلاء على رأسهم والده وعلى أيديهم، وحمل عنهم من العلم ما لا يبلغه أحدنا اليوم في كليات علوم الدين ومعاهده، وحمله نهمه على مواصلة التحصيل حتى ابتعث إلى تونس ليُعد لسلك القضاء، ليعود إلى بلاده فيعمل في وظائف كلها على صلة بالعلوم الشرعية، فعين رئيسًا لمصلحة الشريعة في وزارة العدل الموريتانية ثم نائبًا لرئيس محكمة الاستئناف ثم نائبًا لرئيس المحكمة العليا، ثم تدرج في وظائفه هذه حتى عين وزيرًا ثم تكرر حمله لحقيبة وزير لثلاث مرات.
وظل بعد ذلك مشاركًا في علوم عدة، وأتقن لغة أجنبية أعانته أن يضيف إلى ثقافته الواسعة الثقافة الغربية وما ترجم إليها من اللغات الأخرى، فاتسع أفقه بما أضاف إلى ثقافته الإسلامية العربية وهو الحفي بها، الذي اطلاعه عليها يكاد أن يكون شاملاً وشارك في عديد من المؤتمرات والندوات الفكرية والعلمية والسياسية، وشارك في حلقات الحوار الإسلامي المسيحي، حتى أصبح نجمًا يشار إليه بالبنان في ميدان العلم والفكر، وقد شهد له الجميع بأنه أقدر علمائنا على الحديث عن الوسطية والاعتدال، وسماحة هذا الدين والتسامح في أحكامه ومقاصده، وهو الفقيه والأصولي المدقق في مسائل العلمين، وله القدرة الفائقية على التحليل والإيجاز، وله أسلوب في الإقناع فريد، يستولي به على ذهن من يسمعه حتى يكون رأيه رأيًا له يدافع عنه، سعة علمه بمذهب الإمام مالك لم تمنعه من الاطلاع الواسع على المذاهب الأخرى، وهو من النفر القليل الذين كان لهم دور في شرح مقاصد الشريعة كعلم مستقل، وقد أعجبت بشيخنا -حفظه الله- منذ عرفته، وتابعته فيما كان يلقي من المحاضرات وما ألف وما بحث فيه، ومحاولاته الدائمة للتصدي لمشاكل المسلمين في أوطانهم، وفي البلدان التي رحلوا إليها طلبًا للرزق أو فرارًا من ظلم، فتكررت زياراته لدول الغرب، يدعو للوسطية والتسامح وينشر روح السلم، التي هي في واقع الحال نتائج حيوية لأحكام الإسلام وقيمه، ويبين للناس ما أشاع المتطرفون من فكر منحرف بعيد عن أحكام الله ومقاصد شرعه.
وكل مؤلفاته وبحوثه تشهد برحلة حياة مليئة بالخير تشجع الآخرين أن يتخذوا من الشيخ قدوة لهم إن كانوا طلاب علم، أو كانوا ممن يباشرون الحياة في نواحٍ أخرى متفرقة، ولعلهم إن قرأوا سيجدون في مؤلف عنوانًا هو (خطاب الأمن في الإسلام وثقافة التسامح والوئام)، وعنوانًا آخر (حوار عن بعد عن حقوق الإنسان في الإسلام)، والثالث هو (الإرهاب: التشخيص والحلول)، وفي المقاصد كتابان، وله في سد الذرائع بحث رائع، وفي صناعة الفتوى وفقه الأقليات، وفي مؤلفاته وبحوثه المزيد ما يشبع نهم من يريد معرفة حقيقية للإسلام.
ولعلكم إن أصغيتم إلى برامجه ومحاضراته ستخرجون بنفس هذه النتيجة أنا واثق من ذلك، وادعوا معي أن يطيل الله في عمر شيخنا في صحة وعافية، فلا تزال مجتمعاتنا الإسلامية محتاجة إلى جهود مثله من العلماء الأبرار المستنيرين الذين هم يسعون في صلاح أمتهم بجهود يتفوقون بها على من سواهم وقولوا معي آمين.
الوسومالشيخ عبدالله بن بيه العصر بن بيه عبدالله مشكلات
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …